ذلك من غير تعصب ولا إظهار غلبة فهو الحج ، وبهذه الطريقة دعي الخلق أولا إلى الله تعالى ، حتى إذا عاندوا وأشاعوا الخلاف وأظهروا الفرقة قوبلوا بحسب ذلك.
قال الغزالي في بعض كتبه : أكثر الجهالات إنما رسخت في قلوب العوام بتعصب جماعة من جهل أهل الحق ، أظهروا الحق في معرض التحدي والإدلال ونظروا إلى ضعفاء الخصوم بعين التحقير والازدراء ، فثارت من بواطنهم دواعي المعاندة والمخالفة ، ورسخت في قلوبهم الاعتقادات الباطلة ، وتعذر على العلماء المتلطفين محوها مع ظهور فسادها ، حتى انتهى التعصب بطائفة إلى أن اعتقدوا أن الحروف التي نطقوا بها في الحال بعد السكوت عنها طول العمر قديمة. ولو لا استيلاء الشيطان بواسطة العناد والتعصب للأهواء ، لما وجد مثل هذا الاعتقاد مستفزا في قلب مجنون فضلا عن قلب عاقل.
هذا ما قال : وهو الحق الذي تشهد له العوائد الجارية ، فالواجب تسكين الثائرة ما قدر على ذلك. والله أعلم.
المسألة الثامنة :
إنه لما تبين أنهم لا يتعينون فلهم خواص وعلامات يعرفون بها ، وهي على قسمين : علامات إجمالية ، وعلامات تفصيلية.
فأما العلامات الإجمالية فثلاث.
إحداها : الفرقة التي نبه عليها قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) (١) وقوله تعالى : (وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) (٢) روى ابن وهب عن إبراهيم النخعي أنه قال : هي الجدال والخصومات في الدين ، وقوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (٣) وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا ، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وإن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وصدق الحديث» (٤).
__________________
(١) سورة : آل عمران ، الآية : ١٠٥.
(٢) سورة : المائدة ، الآية : ٦٤.
(٣) سورة : آل عمران ، الآية : ١٠٣.
(٤) أخرجه مالك في الموطأ (الحديث : ٦١٢). والبخاري في كتاب : الأدب المفرد (الحديث : ـ