جماعتهم فهو الذين شذوا وهم نهبة الشيطان ويدخل في هؤلاء جميع أهل البدع لأنهم مخالفون لمن تقدم من الأمة ، لم يدخلوا في سوادهم بحال.
والثاني : إنها جماعة أئمة العلماء المجتهدين ، فمن خرج مما عليه علماء الأمة مات ميتة جاهلية ، لأن جماعة الله العلماء ، جعلهم الله حجة على العالمين ، وهم المعنيون بقوله عليه الصلاة والسلام : «إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة» (١) وذلك أن العامة عنها تأخذ دينها ، وإليها تفزع من النوازل ، وهي تبع لها. فمعنى قوله : «لن تجتمع أمتي» لن يجتمع علماء أمتي على ضلالة.
وممن قال بهذا عبد الله بن المبارك ، وإسحاق بن راهويه ، وجماعة من السلف وهو رأي الأصوليين ، فقيل لعبد الله بن المبارك : من الجماعة الذين ينبغي أن يقتدى بهم؟ قال : أبو بكر وعمر ـ فلم يزل يحسب حتى انتهى إلى محمد بن ثابت والحسين بن واقد ـ فقيل : هؤلاء ماتوا : فمن الأحياء؟ قال : أبو حمزة السكري.
وعن المسيب بن رافع قال : كانوا إذا جاءهم شيء من القضاء ليس في كتاب الله ولا سنّة رسول الله سموه صوافي الأمراء فجمعوا له أهل العلم ، فما أجمع رأيهم عليه فهو الحق ، وعن إسحاق بن راهويه نحو مما قال ابن المبارك.
فعلى هذا القول لا مدخل في السؤال لمن ليس بعالم مجتهد ، لأنه داخل في أهل التقليد ، فمن عمل منهم بما يخالفهم فهو صاحب الميتة الجاهلية ، ولا يدخل أيضا أحد من المبتدعين ، لأن العالم أولا لا يبتدع ، وإنما يبتدع من ادّعى لنفسه العلم وليس كذلك ، ولأن البدعة قد أخرجته عن نمط من يعتد بأقواله ، وهذا بناء على القول بأن المبتدع لا يعتد به في الإجماع ، وإن قيل بالاعتداد به فيه ففي غير المسألة التي ابتدع فيها ، لأنهم في نفس البدعة مخالفون للإجماع : فعلى كل تقدير لا يدخلون في السواد الأعظم رأسا.
والثالث : إن الجماعة هي الصحابة على الخصوص ، فإنهم الذين أقاموا عماد الدين وأرسوا أوتاده ، وهم الذين لا يجتمعون على ضلالة أصلا ، وقد يمكن فيمن سواهم ذلك ،
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٥١٧ ، الحاشية : ١.