درجة العامي ، والعامي إنما اتبع المجتهد من جهة توجهه إلى صوب العلم الحاكم ، فكذلك من نزل منزلته.
ثم نقول : إن هذا مذهب الصحابة ، أما النبي صلىاللهعليهوسلم فاتباعه للوحي أشهر من أن يذكر ، وأما أصحابه فاتباعهم له في ذلك من غير اعتبار بمؤالف أو مخالف شهير عنهم ، فلا نطيل الاستدلال عليه.
فعلى كل تقدير لا يتبع أحد من العلماء إلا من حيث هو متوجه نحو الشريعة قائم بحجتها ، حاكم بأحكامها جملة وتفصيلا ، وأنه من وجد متوجها غير تلك الوجه في جزئية من الجزئيات أو فرع من الفروع لم يكن حاكما ولا استقام أن يكون مقتدى به فيما حاد فيه عن صوب الشريعة البتة.
فيجب إذا على الناظر في هذا الموضع أمران إذا كان غير مجتهد :
أحدهما : أن لا يتبع العالم إلا من جهة ما هو عالم بالعلم المحتاج إليه ، ومن حيث هو طريق إلى استفادة ذلك العلم ، إذ ليس لصاحبه منه إلا كونه مودعا له ، ومأخوذا بأداء تلك الأمانة ، حتى إذا علم أو غلب على الظن أنه مخطئ فيما يلقى ، أو تارك لإلقاء تلك الوديعة على ما هي عليه ، أو منحرف عن صوبها بوجه من وجوه الانحراف ، توقف ولم يصر على الاتباع إلا بعد التبيين ، إذ ليس كل ما يلقيه العالم يكون حقا على الإطلاق ، لإمكان الزلل والخطأ وغلبة الظن في بعض الأمور ، وما أشبه ذلك.
أما إذا كان هذا المتبع ناظرا في العلم ومتبصرا فيما يلقى إليه كأهل العلم في زماننا ، فإن توصله إلى الحق سهل ، لأن المنقولات في الكتب إما تحت حفظه ، وإما معدة لأن يحققها بالمطالعة أو المذاكرة.
وأما إن كان عامّيّا صرفا فيظهر له الإشكال عند ما يرى الاختلاف بين الناقلين للشريعة ، فلا بد له هاهنا من الرجوع آخرا إلى تقليد بعضهم ، إذ لا يمكن في المسألة الواحدة تقليد مختلفين في زمان واحد ، لأنه محال وخرق للإجماع ، فلا يخلو أن يمكنه الجمع بينهما في العمل أو لا يمكنه ، فإن لم يمكنه بهما كان عمله بهما معا محالا ، وإن أمكنه صار عمله ليس على قول واحد منهما ، بل هو قول ثالث لا قائل به ، ويعضد ذلك أنه لا نجد صورة ذلك العمل معمولا بها في المتقدمين من السلف الصالح فهو مخالف للإجماع.