القسم مقلدون بالعرض ، فلا يسعهم الاجتهاد في استنباط الأحكام ، إذ لم يبلغوا درجته ، فلا يصح تعرضهم للاجتهاد في الشريعة مع قصورهم عن درجته ، فإن فرض انتصابه للاجتهاد ، فهو مخطئ آثم أصاب أم لم يصب ، لأنه أتى الأمر من غيره ، وانتهك حرمة الدرجة وقفا ما ليس له به علم فإصابته ـ إن أصاب ـ من حيث لا يدري ، وخطؤه هو المعتاد ، فلا يصح اتباعه كسائر العوام إذا راموا الاجتهاد في أحكام الله ، ولا خلاف أن مثل هذا الاجتهاد غير معتبر ، وأن مخالفة العاميّ كالعدمي ، وأنه في مخالفته لأهل العلم آثم مخطئ ، فكيف يصح ـ مع هذا التقرير ـ تقليد غير مجتهد في مسألة أتى فيها باجتهاده؟
ولقد زل ـ بسبب الإعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال ـ أقوام خرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين ، واتبعوا أهواءهم بغير علم فضلوا عن سواء السبيل.
ولنذكر لذلك عشرة أمثلة :
أحدها : وهو أشدها ، قول من جعل اتباع الآباء في أصل الدين هو المرجوع إليه دون غيره ، حتى ردوا بذلك براهين الرسالة ، وحجة القرآن ودليل العقل فقالوا : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) (١) الآية ، فحين نبّهوا على وجه الحجة بقوله تعالى : (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ) (٢) لم يكن لهم جواب إلا الإنكار ، اعتمادا على اتباع الآباء واطّراحا لما سواه ، ولم يزل مثل هذا مذموما في الشرائع ، كما حكى الله عن قوم نوح عليهالسلام بقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) (٣) وعن قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى : (قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ* أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ* قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) (٤) إلى آخر ذلك مما في معناه ، فكان الجميع مذمومين حين اعتبروا واعتقدوا أن الحق تابع لهم ولم يلتفتوا إلى أن الحق هو المقدم.
__________________
(١) سورة : الزخرف ، الآية : ٢٣.
(٢) سورة : الزخرف ، الآية : ٢٤.
(٣) سورة : المؤمنون ، الآية : ٢٤.
(٤) سورة : الشعراء ، الآيات : ٧٢ ـ ٧٤.