٢ ـ باب : في ذم البدع وسوء منقلب أصحابها
لا خفاء أن البدع من حيث تصورها يعلم العاقل ذمها ، لأن اتباعها خروج عن الصراط المستقيم ورمي في عماية. وبيان ذلك من جهة النظر ، والنقل الشرعي العام.
أما النظر فمن وجوه :
أحدها : أنه قد علم بالتجارب والخبرة السارية في العالم من أول الدنيا إلى اليوم أن العقول غير مستقلة بمصالحها ، استجلابا لها ، أو مفاسدها ، استدفاعا لها. لأنها إما دنيوية أو أخروية.
فأما الدنيوية فلا يستقل باستدراكها على التفصيل البتة لا في ابتداء وضعها أولا ، ولا في استدراك ما عسى أن يعرض في طريقها ، إما في السوابق ، وإما في اللواحق ، لأن وضعها أولا لم يكن إلا بتعليم الله تعالى.
لأن آدم عليهالسلام لما أنزل إلى الأرض علم كيف يستجلب مصالح دنياه إذ لم يكن ذلك من معلومه أولا ، إلا على قول من قال : إن ذلك داخل تحت مقتضى قول الله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) (١) ، وعند ذلك يكون تعليما غير عقلي ، ثم توارثته ذريته كذلك في الجملة ، لكن فرعت العقول من أصولها تفريعا تتوهم استقلالها به.
ودخل في الأصول الدواخل حسبما أظهرت ذلك أزمنة الفترات ، إذ لم تجر مصالح الفترات على استقامة ، لوجود الفتن والهرج (٢) ، وظهور أوجه الفساد.
فلو لا أن منّ الله على الخلق ببعثه الأنبياء لم تستقم لهم حياة ، ولا جرت أحوالهم على كمال مصالحهم ، وهذا معلوم بالنظر في أخبار الأولين والآخرين.
__________________
(١) سورة : البقرة ، الآية : ٣١.
(٢) الهرج : شدة القتل وكثرته.