ألا ترى قوله عليه الصلاة والسلام : «ولا تقوم الساعة على أحد يقول : الله الله» (١) وقوله : «لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس» (٢) فقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن من الأزمان أزمانا يجتمعون فيها على ضلالة وكفر. قالوا : وممن قال بهذا القول عمر بن عبد العزيز ، فروى ابن وهب عن مالك قال : كان عمر بن عبد العزيز يقول : سنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وولاة الأمر من بعده سننا ، الأخذ بها تصديق لكتاب الله ، واستكمال لطاعة الله ، وقوة على دين الله ، ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها ، ولا النظر فيما خالفها! من اهتدى بها مهتد ، ومن استنصر بها منصور ، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا. فقال مالك : فأعجبني عزم عمر على ذلك.
فعلى هذا القول فلفظ الجماعة مطابق للرواية الأخرى في قوله عليه الصلاة والسلام : «ما أنا عليه وأصحابي» (٣) فكأنه راجع إلى ما قالوه وما سنّوه ، وما اجتهدوا فيه حجة على الإطلاق ، وبشهادة رسول الله صلىاللهعليهوسلم لهم بذلك خصوصا في قوله : «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين» (٤) وأشباهه ، أو لأنهم المتقلدون لكلام النبوة ، المهتدون للشريعة ، الذين فهموا أمر دين الله بالتّلقّي من نبيه مشافهة ، على علم وبصيرة بمواطن التشريع وقرائن الأحوال ، بخلاف غيرهم : فإذا كل ما سنّوه فهو سنّة من غير نظير فيه ، بخلاف غيرهم ، فإن فيه لأهل الاجتهاد مجالا للنظر ردّا وقبولا ، فأهل البدع إذا غير داخلين في الجماعة قطعا على هذا القول.
والرابع : إن الجماعة هي جماعة أهل الإسلام ، إذا أجمعوا على أمر فواجب على غيرهم من أهل الملل اتباعهم ، وهم الذين ضمن الله لنبيه عليه الصلاة والسلام أن لا يجمعهم
__________________
(١) أخرجه مسلم في كتاب : الإيمان ، باب : ذهاب الإيمان آخر الزمان (الحديث : ١٤٨). وأخرجه الترمذي في كتاب : الفتن ، باب : ٣٥ (الحديث : ٨ / ٣٢).
(٢) أخرجه مسلم في كتاب : الفتن ، باب : قرب الساعة (الحديث : ٢٩٤٩).
(٣) تقدم تخريجه ص : ٣٤٩ ، الحاشية : ١.
(٤) تقدم تخريجه ص : ٣٣١ ، الحاشية : ١.