أصل ـ وهو القياس الفاسد ـ فهو الذي لا يصح أن يوضع في الدين ، فإنه يؤدي إلى مخالفة الشرع ، وأن يصير الحلال بالشرع حراما بذلك القياس ، والحرام حلالا ، فإن الرأي من حيث هو رأي لا ينضبط إلى قانون شرعي إذا لم يكن له أصل شرعي فإن العقول تستحسن ما لا يستحسن شرعا ، وتستقبح ما لا يستقبح شرعا ، وإذا كان كذلك صار القياس على غير أصل فتنة على الناس.
ثم أخبر في الحديث أن المعلمين لهذا القياس أضر على الناس من سائر أهل الفرق ، وأشد فتنة ، وبيانه أن مذاهب أهل الأهواء قد اشتهرت الأحاديث التي تردها واستفاضت ، وأهل الأهواء مقموعون في الأمر الغالب عند الخاصة والعامة ، بخلاف الفتيا ، فإن أدلتها من الكتاب والسنّة لا يعرفها إلا الأفراد ، ولا يميز ضعيفها من قويها إلا الخاصة ، وقد ينتصب للفتيا والقضاء ممن يخالفها كثير.
وقد جاء مثل معناه محفوظا من حديث ابن مسعود أنه قال : «ليس عام إلا والذي بعده شر منه لا أقول : عام أمطر من عام ، ولا عام أخصب من عام ، ولا أمير خير من أمير ، ولكن : ذهاب خياركم وعلمائكم ثم يحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم فيهدم الإسلام ويثلم».
وهذا الذي في حديث ابن مسعود موجود في الحديث الصحيح ، حيث قال عليه الصلاة والسلام : «ولكن ينزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال يستفتون برأيهم ، فيضلون ويضلون» (١).
وقد تقدم في ذم الرأي آثار مشهورة عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين تبين فيها أن الأخذ بالرأي يحل الحرام ويحرم الحلال.
ومعلوم أن هذه الآثار الذامّة للرأي لا يمكن أن يكون المقصود بها ذم الاجتهاد على
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٣٧٠ ، الحاشية : ١.