الصحابة ، ومن جرى مجراهم ممن يؤخذ بقوله ويعتمد على فتواه : وأما غيرهم ممن لم يحل ذلك المحل فلا ، كأن يرى الإنسان رجلا يحسن اعتقاده فيه فيفعل فعلا محتملا أن يكون مشروعا أو غير مشروع فيقتدي به على الإطلاق ويعتمد عليه في التعبد ، ويجعله حجة في دين الله ، فهذا هو الضلال بعينه ، وما لم يثبت بالسؤال والبحث عن حكم الفعل ممن هو أهل الفتوى.
وهذا الوجه هو الذي مال بأكثر المتأخرين من عوام المبتدعة ، إذا اتفق أن ينضاف إلى شيخ جاهل أو لم يبلغ مبلغ العلماء ؛ فيراه يعمل عملا فيظنه عبادة فيقتدي به ، كائنا ما كان ذلك العمل ، موافقا للشرع أو مخالفا ، ويحتج به على من يرشده ويقول : كان الشيخ فلان من الأولياء وكان يفعله وهو أولى أن يقتدى به من علماء الظاهر ، فهو في الحقيقة راجع إلى تقليد من حسن ظنه فيه أخطأ أو أصاب ، كالذين قلدوا آباءهم سواء ، وإنما قصارى هؤلاء أن يقولوا : إن آباءنا أو شيوخنا لم يكونوا ينتحلون مثل هذا الأمور سدى ، وما هي إلا مقصودة بالدلائل والبراهين مع أنهم يرون أن لا دليل عليها ، ولا برهان يقود إلى القول بها.
فصل
هذه الأسباب الثلاثة راجعة في التحصيل إلى وجه واحد ، وهو الجهل بمقاصد الشريعة ، والتخرص على معانيها بالظن من غير تثبت ، أو الأخذ فيها بالنظر الأول ، ولا يكون ذلك من راسخ في العلم ، ألا ترى إلى أن الخوارج كيف خرجوا عن الدين كما يخرج السهم من الصيد المرمي؟ لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وصفهم «بأنهم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم» (١) يعني ـ والله أعلم ـ : أنهم لا يتفقهون به حتى يصل إلى قلوبهم لأن الفهم راجع إلى القلب ، فإذا لم يصل إلى القلب لم يحصل فيه فهم على حال ، وإنما يقف عند محل الأصوات والحروف فقط ، وهو الذي يشترك فيه من يفهم ومن لا يفهم ، وما تقدم أيضا من قوله عليه الصلاة والسلام : «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا» (٢) إلى آخره.
وقد وقع لابن عباس تفسير ذلك على معنى ما نحن فيه ، فخرّج أبو عبيد في فضائل
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٣٦٥ ، الحاشية : ٢.
(٢) تقدم تخريجه ص : ٣٧٠ ، الحاشية : ١.