القرآن ، وسعيد بن منصور في تفسيره عن إبراهيم التيمي قال : خلا عمر رضي الله عنه ذات يوم ، فجعل يحدث نفسه : كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحدا؟ فأرسل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال : كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة ـ زاد سعيد وكتابها واحد ـ قال : فقال ابن عباس : يا أمير المؤمنين! إنما أنزل علينا القرآن فقرأناه ، وعلمنا فيما أنزل ، وأنه سيكون بعدنا أقوام يقرءون القرآن ولا يدرون فيما نزل ، فيكون لكل قوم فيه رأي فإذا كان كذلك اختلفوا ، وقال سعيد : فيكون لكل قوم فيه رأي ، فإذا كان لكل قوم فيه رأي اختلفوا ، فإذا اختلفوا اقتتلوا ، قال : فزجره عمر وانتهره عليّ فانصرف ابن عباس ، ونظر عمر فيما قال فعرفه ، فأرسل إليه وقال : أعد عليّ ما قلته ، فأعاد عليه ، فعرف عمر قوله وأعجبه.
وما قاله ابن عباس رضي الله عنهما هو الحق ، فإنه إذا عرف الرجل فيما نزلت الآية أو السورة عرف مخرجها وتأويلها وما قصد بها ، فلم يتعد ذلك فيها ، وإذا جهل فيما أنزلت احتمل النظر فيها أوجها. فذهب كل إنسان مذهبا لا يذهب إلي الآخر ، وليس عندهم من الرسوخ في العلم ما يديهم إلى الصواب ، أو يقف بهم دون اقتحام حمى المشكلات ، فلم يكن بد من الأخذ ببادئ الرأي ، أو التأويل بالتخرص الذي لا يغني من الحق شيئا ، إذ لا دليل عليه من الشريعة ، فضلوا وأضلوا.
ومما يوضح ذلك ما خرّجه ابن وهب عن بكير أنه سأل نافعا : كيف رأي ابن عمر في الحرورية؟ قال : يراهم شرار خلق الله إنهم انطلقوا إلى آيات أنزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين. فسر سعيد بن جبير من ذلك ، فقال : مما يتبع الحرورية من المتشابه قول الله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (١) ويقرنون معها : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (٢) فإذا رأوا الإمام يحكم بغير الحق قالوا : قد كفر ، ومن كفر عدل بربه ومن عدل بربه فقد أشرك ، فهؤلاء مشركون خرجوا على الأمة يقتلون ما يرونه مخالفا لهم لأنهم يتأولون هذه الآية ، فهذا معنى الرأي الذي نبه عليه ابن عباس ، وهو الناشئ عن الجهل بالمعنى الذي نزل فيه القرآن.
__________________
(١) سورة : المائدة ، الآية : ٤٤.
(٢) سورة : الأنعام ، الآية : ١.