وقال نافع : إن ابن عمر كان إذا سئل عن الحرورية قال : يكفّرون المسلمين ، ويستحلون دماءهم وأموالهم ، وينكحون النساء في عدتهن ، وتأتيهم المرأة فينكحها الرجل منهم ولها زوج ، فلا أعلم أحدا أحق بالقتال منهم.
فإن قيل : فرضت الاختلاف المتكلم عنه في واسطة بين طرفين ، فكان من الواجب أن تردد النظر فيه عليهما ، فلم تفعل ، بل رددته إلى الطرف الأول في الذم والضلال ، ولم تعتبره بجانب الاختلاف الذي لا يضير ، وهو الاختلاف في الفروع.
فالجواب عن ذلك : أن كون ذلك القسم واسطة بين الطرفين لا يحتاج إلى بيانه إلا من الجهة التي ذكرنا. أما الجهة الأخرى ، فإن عدم ذكرهم في هذه الأمة وإدخالهم فيها أوضح أن هذا الاختلاف لم يلحقهم بالقسم الأول ، وإلّا فلو كان ملحقا لهم به لم يقع في الأمة اختلاف ولا فرقة ، ولا أخبر الشارع به ، ولا نبه السلف الصالح عليه فكما أنه لو فرضنا اتفاق الخلق على الملة بعد كانوا مفارقين لها لم نقل : اتفقت الأمة بعد اختلافها. كذلك لا نقول : اختلفت الأمة ، وافترقت الأمة بعد اتفاقها ، أو خرج بعضهم إلى الكفر بعد الإسلام ، وإنما يقال : افترقت وتفترق الأمة ، إذا كان الافتراق واقعا فيها مع بقاء اسم الأمة هذا هو الحقيقة.
ولذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الخوارج : «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة» (١) ثم قال : «وتتمارى في الفوق ـ وفي رواية ـ فينظر الرامي إلى سهمه إلى نصله إلى رصافه فيتمارى في الفوقة ، هل علق بها من الدم شيء» ، والتماري في الفوق فيه هل فيه فرث ودم أم لا؟ شك بحسب التمثيل : هل خرجوا من الإسلام حقيقة؟ وهذه العبارة لا يعبر بها عمن خرج من الإسلام بالارتداد مثلا.
وقد اختلفت الأمة في تكفير هؤلاء الفرق أصحاب البدع العظمى. ولكن الذي يقوى في النظر وبحسب الأثر عدم القطع بتكفيرهم ، والدليل عليه عمل السلف الصالح فيهم ، ألا
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٣٧٠ ، الحاشية : ١.