الجزئيات في الغالب كالزلة والفلتة ، ولذلك لا يكون اتباع الهوى فيها مع حصول التأويل في فرد من أفراد الفروع ، ولا المفسدة الحاصلة بالجزئية كالمفسدة الحاصلة بالكلية ، فعلى هذا إذا اجتمع في البدعة وصفان : كونها جزئية وكونها بالتأويل ، صح أن تكون صغيرة والله أعلم.
ومثاله مسألة من نذر أن يصوم قائما لا يجلس ، وضاحيا لا يستظل ، ومن حرّم على نفسه شيئا مما أحل الله من النوم أو لذيذ الطعام ، أو النساء أو الأكل بالنهار ، وما أشبه ذلك مما تقدم ذكره أو يأتي ، غير أن الكلية والجزئية قد تكون ظاهرة وقد تكون خفية ، كما أن التأويل قد يقرب مأخذه وقد يبعد ، فيقع الإشكال في كثير من أمثلة هذا الفصل ، فيعد كبيرة ما هو من الصغائر وبالعكس ، فيوكل النظر فيه إلى الاجتهاد ا ه.
فصل
وإذا قلنا : إن من البدع ما يكون صغيرة فذلك بشروط :
أحدها : أن لا يداوم عليها ، فإن الصغيرة من المعاصي لمن داوم عليها تكبر بالنسبة إليه ، لأن ذلك ناشئ عن الإصرار عليها ، والإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة ، ولذلك قالوا : لا صغيرة مع إصرار ، ولا كبيرة مع استغفار فكذلك البدعة من غير فرق ، إلا أن المعاصي من شأنها في الواقع أنها قصد يصر عليها ، وقد لا يصر عليها ، وعلى ذلك ينبني طرح الشهادة وسخطة الشاهد بها أو عدمه ، بخلاف البدعة فإن شأنها في المداومة والحرص على أن لا تزال من موضعها وأن تقوم على تاركها القيامة ، وتنطلق عليه ألسنة الملامة ، ويرمى بالتسفية والتجهيل ، وينبز بالتبديع والتضليل ، ضد ما كان عليه سلف هذه الأمة ، والمقتدى بهم من الأئمة ، والدليل على ذلك الاعتبار والنقل ، فإن أهل البدع كان من شأنهم القيام بالنكير على أهل السنّة إن كان لهم عصبة ، أو لصقوا بسلطان تجري أحكامه في الناس وتنفذ أوامره في الأقطار ، ومن طالع سير المتقدمين ، وجد من ذلك ما لا يخفى.
وأما النقل ، فما ذكره السلف من أن البدعة إذا أحدثت لا تزيد إلا مضيّا ، وليست كذلك المعاصي ، فقد يتوب صاحبها وينيب إلى الله ، بل قد جاء ما يشد ذلك في حديث الفرق ، حيث جاء في بعض الروايات : «تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب