بصاحبه» (١) ومن هنا جزم السلف بأن المبتدع لا توبة له منها حسبما تقدم.
والشرط الثاني : أن لا يدعو إليها ، فإن البدعة قد تكون صغيرة بالإضافة ، ثم يدعو مبتدعها إلى القول بها والعمل على مقتضاها فيكون إثم ذلك كله عليه ، فإنه الذي أثارها ، وسبب كثرة وقوعها والعمل بها ؛ فإن الحديث الصحيح قد أثبت أن كل من سنّ سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا ، والصغيرة مع الكبيرة إنما تفاوتها بحسب كثرة الإثم وقلته ، فربما تساوي الصغيرة ـ من هذا الوجه ـ الكبيرة أو تربى عليها.
فمن حق المبتدع إذا ابتلي بالبدعة أن يقتصر على نفسه ، ولا يحمل مع وزره وزر غيره.
وفي هذا الوجه قد يتعذر الخروج ؛ فإن المعصية فيما بين العبد وربه يرجو فيها من التوبة والغفران ما يتعذر عليه مع الدعاء إليها ، وقد مرّ في باب ذم البدع وباقي الكلام في المسألة سيأتي إن شاء الله.
والشرط الثالث : أن لا تفعل في المواضع التي هي مجتمعات الناس ، أو المواضع التي تقام فيها السنن ، وتظهر فيها أعلام الشريعة ؛ فأما إظهارها في المجتمعات ممن يقتدى به أو بمن يحسن به الظن فذلك من أضر الأشياء على سنّة الإسلام ، فإنها لا تعدو أمرين : إما أن يقتدى بصاحبها فيها ، فإن العوام أتباع كل ناعق ؛ لا سيما البدع التي وكل الشيطان بتحسينها للناس ، والتي للنفوس في تحسينها هوى ، وإذا اقتدي بصاحب البدعة الصغيرة كبرت بالنسبة إليه ، لأن كل من دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها ، فعلى حسب كثرة الأتباع يعظم عليه الوزر.
وهذا بعينه موجود في صغائر المعاصي ، فإن العالم مثلا إذا أظهر المعصية ـ وإن صغرت ـ سهل على الناس ارتكابها ، فإن الجاهل يقول : لو كان هذا الفعل كما قال من أنه ذنب ، لم يرتكبه ، وإنما ارتكبه لأمر علمه دوننا ، فكذلك البدعة إذا أظهرها العالم المقتدى
__________________
(١) أخرجه أبو داود في كتاب : السنة ، باب : شرح السنة (الحديث : ٤٥٩٧). وأخرجه أحمد في المسند (الحديث : ٤ / ١٠٢).