فإن قيل : الحكم بالكفر والإيمان راجع إلى حكم الآخرة ، والقياس لا يجري فيها.
فالجواب : إن كلّا منا في الأحكام الدنياوية ، وهل يحكم لهم بحكم المرتدين أم لا؟
وإنما أمر الآخرة لله ، لقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) (١).
ويحتمل أن لا يكونوا خارجين عن الإسلام جملة ، وإن كانوا قد خرجوا عن جملة من شرائعه وأصوله.
ويدل على ذلك جميع ما تقدم فيما قبل هذا الفصل ، فلا فائدة في الإعادة.
ويحتمل وجها ثالثا ، وهو أن يكون منهم من فارق الإسلام لكن مقالته كفر وتؤدي معنى الكفر الصريح ، ومنهم من لم يفارقه ، بل انسحب عليه حكم الإسلام وإن عظم مقاله وشنع مذهبه ، لكنه لم يبلغ به مبلغ الخروج إلى الكفر المحض والتبديل الصريح.
ويدل على ذلك الدليل بحسب كل نازلة ، وبحسب كل بدعة ، إذ لا شك في أن البدع يصح أن يكون منها ما هو كفر كاتخاذ الأصنام بتقربهم إلى الله زلفى ، ومنها ما ليس بكفر كالقول بالجهة عند جماعة وإنكار الإجماع وإنكار القياس وما أشبه ذلك.
ولقد فصل بعض المتأخرين في التكفير تفصيلا في هذه الفرق ، فقال : ما كان من البدع راجعا إلى اعتقاد وجود إله مع الله ، كقول السبئية في عليّ رضي الله عنه إنه إله أو خلق الإله في بعض أشخاص الناس كقول الجناحية : إن الله تعالى له روح يحل في بعض بني آدم ويتوارث ، أو إنكار رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم كقول الغرابية : إن جبريل غلط في الرسالة فأداها إلى محمد صلىاللهعليهوسلم ، وعليّ كان صاحبها ، أو استباحة المحرمات وإسقاط
__________________
(١) سورة : الأنعام ، الآية : ١٥٩.