وبهذه الأوجه الأخيرة ظهر وجه تأثيمه ، وتبين الفرق بينه وبين المجتهد المخطئ في اجتهاده ، وسيأتي له تقرير أبسط من هذا إن شاء الله.
وحاصل ما ذكر هنا أن كل مبتدع آثم ولو فرض عاملا بالبدعة المكروهة ـ إن ثبت فيها كراهة التنزيه ـ لأنه إما مستنبط لها فاستنباطه على الترتيب المذكور غير جائز ، وإما نائب عن صاحبها مناضل عنه فيها بما قدر عليه ، وذلك يجري مجرى المستنبط الأول لها ، فهو آثم على كل تقدير.
لكن يبقى هنا نظر في المبتدع وصاحب الهوى بحيث يتنزل دليل الشرع على مدلول اللفظ في العرف الذي وقع التخاطب به ، إذ يقع الغلط أو التساهل فيسمى من ليس بمبتدع مبتدعا ، وبالعكس إن تصور ، فلا بد من فضل اعتناء بهذا المطلب حتى يتضح بحول الله ، وبالله التوفيق ، ولنفرده في فصل فنقول :
فصل
لا يخلو المنسوب إلى البدعة أن يكون مجتهدا فيها أو مقلدا ، والمقلد إما مقلد مع الإقرار بالدليل الذي زعمه المجتهد دليلا والأخذ فيه بالنظر ، وإما مقلد له فيه من غير نظر كالعامي الصرف ؛ فهذه ثلاثة أقسام :
فالقسم الأول : على ضربين :
أحدهما : أن يصح كونه مجتهدا ، فالابتداع منه لا يقع إلا فلتة وبالعرض لا بالذات ، وإنما تسمى غلطة أو زلة لأن صاحبها لم يقصد اتباع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويل الكتاب ، أي لم يتبع هواه ولا جعله عمدة ، والدليل عليه أنه إذا ظهر له الحق أذعن له وأقرّ به.
ومثاله ما يذكر عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنه كان يقول بالإرجاء ثم رجع عنه ، وقال : وأول ما أفارق ـ غير شاك ـ أفارق ما يقول المرجئون.
وذكر مسلم عن يزيد بن صهيب الفقير قال : كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج ، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج ، ثم نخرج على الناس. قال : فمررنا على المدينة ، فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم جالسا إلى سارية عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : وإذا