وأشباههم ، ووجوه التفاوت كثيرة ، ولظهورها عند العلماء لم نبسط الكلام عليها. والله المستعان بفضله.
فصل
ويتعلق بهذا الفصل أمر آخر وهو الحكم في القيام على أهل البدع من الخاصة أو العامة وهذا باب كبير في الفقه تعلق بهم من جهة جنايتهم على الدين ، وفسادهم في الأرض ، وخروجهم عن جادة الإسلام ، إلى بنيّات الطريق التي نبّه عليها قول الله تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (١) ، وهو فصل من تمام الكلام على التأثيم ، لكنه مفتقر إلى النظر في شعب كثيرة ، منها ما تكلم عليها العلماء ، ومنها ما لم يتكلموا عليها ، لأن ذلك حدث بعد موت المجتهدين ، وأهل الحماية للدين ، فهو باب يكثر التفريع فيه بحيث يستدعي تأليفا مستقلا ؛ فرأينا أن بسط ذلك يطول ، مع أن العناء فيه قليل الجدوى في هذه الأزمنة المتأخرة لتكاسل الخاصة ، عن النظر فيما يصلح العامة ، وغلبة الجهل على العامة ، حتى إنهم لا يفرقون بين السنّة والبدعة.
بل قد انقلب الحال إلى أن عادت السنّة بدعة ، فقاموا في غير موضع القيام ، واستقاموا إلى غير مستقام ، فعم الداء ، وعدم الأطباء ، حسبما جاءت به الأخبار. فرأينا أن لا نفرد هذا المعنى بباب يخصه ، وأن لا نبسط القول فيه ، وأن نقتصر من ذلك على لمحة تكون خاتمة لهذا الباب ، في الإشارة إلى أنواع الأحكام التي يقام عليهم بها في الجملة لا في التفصيل ، وبالله التوفيق.
فنقول : إن القيام عليهم بالتثريب (٢) أو التنكيل أو الطرد أو الإبعاد أو الإنكار هو بحسب حال البدعة في نفسها من كونها عظيمة المفسدة في الدين أم لا ، وكون صاحبها مشتهرا بها أو لا ، وداعيا إليها أو لا ، ومستظهرا بالأتباع وخارجا عن الناس أو لا ، وكونه عاملا بها على جهة الجهل أو لا.
وكل من هذه الأقسام له حكم اجتهاديّ يخصه ، إذ لم يأت في الشرع في البدعة حدّ لا
__________________
(١) سورة : الأنعام ، الآية : ١٥٣.
(٢) يقال : ثرّب عليهم فعلهم : قبّحه.