السفهاء؟ ـ قال : أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ، ولا يستنون بسنتي ، فمن صدقهم بكذبهم ، وأعانهم على ظلمهم ، فأولئك ليسوا مني ، ولست منهم ، ولا يردون عليّ الحوض ، ومن لم يصدقهم على كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم ، ويردون عليّ الحوض» (١) الحديث.
وكل من لم يهتد بهداه ولا يستن بسنته فإما إلى بدعة أو معصية ، فلا اختصاص بأحدهما ، غير أن الأكثر في نقل أرباب الكلام ، وغيرهم أن الفرقة المذكورة إنما هي بسبب الابتداع في الشرع على الخصوص ، وعلى ذلك حمل الحديث من تكلم عليه من العلماء ، ولم يعدوا منها المفترقين بسبب المعاصي التي ليست ببدع ، وعلى ذلك يقع التفريع إن شاء الله.
المسألة الثالثة :
إن هذه الفرق تحتمل من جهة النظر أن يكونوا خارجين عن الملة بسبب ما أحدثوا ، فهم قد فارقوا أهل الإسلام بإطلاق ، وليس ذلك إلا الكفر ، إذ ليس بين المنزلتين منزلة ثالثة تتصور.
ويدل على هذه الاحتمال ظواهر من القرآن والسنّة ، كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (٢) وهي آية نزلت ـ عند المفسرين ـ في أهل البدع ، ويوضحه من قرأ : إنّ الّذين فارقوا دينهم والمفارقة للدين بحسب الظاهر إنما هي الخروج عنه ، وقوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) (٣) الآية ، وهي عند العلماء منزلة في أهل القبلة وهم أهل البدع ، وهذا كالنص ، إلى غير ذلك من الآيات.
__________________
(١) أخرجه الترمذي في كتاب : الصلاة ، باب : ما ذكر في فضل الصلاة (الحديث : ٦١٤). وأخرجه النسائي في كتاب : البيعة ، باب : الوعيد لمن أعان أميرا على الظلم ، وباب : من لم يعن أميرا على الظلم (الحديث : ٧ / ١٦٠). وأخرجه الحاكم في المستدرك (الحديث : ٤ / ٤٢٢).
(٢) سورة : الأنعام ، الآية : ١٥٩.
(٣) سورة : آل عمران ، الآية : ١٠٦.