في الفرقة ، وكالمهدي المغربي الخارج عن الأمة نصرا للحق في زعمه ، فابتدع أمورا سياسية وغيرها خرج بها من السنّة ـ كما تقدمت الإشارة إليه قبل ـ وهذا هو الذي تشير إليه الآيات المتقدمة والأحاديث ، لمطابقتها لمعنى الحديث ، وإما أن يراد المعنيان معا.
فأمّا الأول : فلا أعلم قائلا به ، وإن كان ممكنا في نفسه ، إذ لم أر أحدا خص هذه بما إذا افترقت الأمة بسبب أمر دنياوي لا بسبب بدعة ، وليس ثمّ دليل يدل على التخصيص ، لأن قوله عليه الصلاة والسلام : «من فارق الجماعة قيد شبر» الحديث ، لا يدل على الحصر ، وكذلك : «إذا بويع الخليفتان فاقتلوا الآخر منهما» ، وقد اختلف العلماء في المراد بالجماعة المذكورة في الحديث حسبما يأتي ، فلم يكن منهم قائل بأن الفرقة المضادة للجماعة هي فرقة المعاصي غير البدع على الخصوص.
وأما الثاني : وهو أن يراد المعنيان معا ، فذلك أيضا ممكن ، إذ الفرقة المنبه عليها قد تحصل بسبب أمر دنياوي لا مدخل فيها للبدع وإنما هي معاص ومخالفات كسائر المعاصي ، وإلى هذا المعنى يرشد قول الطبري في تفسير الجماعة ـ حسبما يأتي بحول الله ـ ويعضده حديث الترمذي : «ليأتين على أمتي من يصنع ذلك» (١) (؟) فجعل الغاية في اتباعهم ما هو معصية كما ترى.
وكذلك في الحديث الآخر : «لتتبعن سنن من كان قبلكم ـ إلى قوله ـ حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لاتبعتموهم» (٢) فجعل الغاية ما ليس ببدعة.
وفي معجم البغوي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لكعب بن عجرة رضي الله عنه : «أعاذك الله يا كعب بن عجرة من إمارة السفهاء ـ قال : وما إمارة
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٣٤٩ ، الحاشية : ١.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب : الاعتصام ، باب : قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لتتبعن سنن من كان قبلكم» ، وأخرجه في كتاب : أحاديث الأنبياء ، باب : ما ذكر عن بني إسرائيل (الحديث : ١٣ / ٢٥٥). وأخرجه مسلم في كتاب : العلم ، باب : اتباع سنن اليهود والنصارى (الحديث : ٢٦٦٩).