التوريث ، هو من قبيل ما تقدم ، فإن جعل الجاهل في موضع العالم حتى يصير مفتيا في الدين ، ومعمولا بقوله في الأموال والدماء والأبضاع وغيرها ، محرم في الدين ، وكون ذلك يتخذ ديدنا حتى يصير الابن مستحقا لرتبة الأب ـ وإن لم يبلغ رتبة الأب في ذلك المنصب ـ بطريق الوراثة أو غير ذلك ، بحيث يشيع هذا العمل ويطرد ويرده الناس كالشرع الذي لا يخالف بدعة بلا إشكال ، زيادة إلى القول بالرأي غير الجاري على العلم ، وهو بدعة أو سبب البدعة كما سيأتي تفسيره إن شاء الله ، وهو الذي بيّنه النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : «حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا واضلوا» (١) وإنما ضلوا لأنهم أفتوا بالرأي إذ ليس عندهم علم.
وأما إقامة صور الأئمة والقضاة وولاة الأمر على خلاف ما كان عليه السلف فقد تقدم أن البدعة لا تتصور هنا ، وذلك صحيح ، فإن تكلف أحد فيها ذلك فيبعد جدّا ، وذلك بفرض أن يعتقد في ذلك العمل أنه مما يطلب به الأئمة على الخصوص تشريعا خارجا عن قبيل المصالح المرسلة ، بحيث يعد من الدين الذي يدين به هؤلاء المطلوبون به ، أو يكون ذلك مما يعد خاصّا بالأئمة دون غيرهم ، كما يزعم بعضهم : أن خاتم الذهب جائز لذوي السلطان ، أو يقول : إن الحرير جائز لهم لبسه دون غيرهم ، وهذا أقرب من الأول في تصور البدعة في حق هذا القسم.
ويشبهه على قرب زخرفة المساجد ، إذ كثير من الناس يعتقد أنها من قبيل ترفيع بيوت الله ، وكذلك تعليق الثريات الخطيرة الأثمان ، حتى يعد الإنفاق في ذلك إنفاقا في سبيل الله ، وكذلك إذا اعتقد في زخارف الملوك وإقامة صورهم أنها من جملة ترفيع الإسلام وإظهار معامله وشعائره ، أو قصد ذلك في فعله أولا بأنه ترفيع للإسلام لما لم يأذن الله به ، وليس ما حكاه القرافي عن معاوية من قبيل هذه الزخارف ، بل من قبيل المعتاد في اللباس والاحتياط في الحجاب مخافة من انخراق خرق يتسع فلا يرقع ـ هذا إن صح ما قال ، وإلّا فلا يعول
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب : العلم ، باب : كيف يقبض العلم ، وأخرجه في كتاب : الاعتصام ، باب : ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس (الأحاديث : ١ / ١٧٤ ، ١٧٥). وأخرجه مسلم في كتاب : العلم ، باب : رفع العلم وقبضه (الحديث : ٢٦٧٣). وأخرجه الترمذي في كتاب : العلم ، باب : ما جاء في ذهاب العلم (الحديث : ٢٦٥٤).