والثاني : أن يكون مقيدا بأن يشاء الله تعالى إصلاءهم في النار ، وإنما حمل قوله : «كلها في النار» أي هي ممن يستحق النار ، كما قالت الطائفة الأخرى في قوله تعالى :
(فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) أي ذلك جزاؤه إن لم يعف الله عنه ، فإن عفا عنه فله العفو إن شاء الله ، لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (١) فكما ذهبت طائفة من الصحابة ومن بعدهم إلى أن القاتل في المشيئة ، وإن لم يكن الاستدراك ، كذلك يصح أن يقال هنا بمثله.
المسألة الثالثة عشرة :
إن قوله عليه الصلاة والسلام : «إلا واحدة» (٢) قد أعطى بنصه أن الحق واحد لا يختلف ، إذ لو كان للحقّ فرق أيضا لم يقل : «إلا واحدة» ولأن الاختلاف منفي عن الشريعة بإطلاق ، لأنها الحاكمة بين المختلفين ، لقوله تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (٣) إذ رد التنازع إلى الشريعة ، فلو كانت الشريعة تقتضي الخلاف لم يكن في الرد إليها فائدة. وقوله : (فِي شَيْءٍ) نكرة في سياق الشرط ، فهي صيغة من صيغ العموم ، فتنتظم كل تنازع على العموم ، فالرد فيها لا يكون إلا لأمر واحد فلا يسع أن يكون أهل الحق فرقا ، وقال تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) (٤) وهو نص فيما نحن فيه ، فإن السبيل الواحد لا يقتضي الافتراق ، بخلاف السبل المختلفة.
فإن قيل : فقد تقدم في المسألة العاشرة في حديث ابن مسعود : «واختلف من كان قبلنا على ثنتين وسبعين فرقة ، نجا منها ثلاث وهلك سائرها» (٥) إلى آخر الحديث ، فلو لزم ما قلت لم يجعل أولئك الفرق ثلاثا ، وكانوا فرقة واحدة ، وحين بينوا ظهر أنهم كلهم على الحق
__________________
(١) سورة : النساء ، الآية : ٩٣.
(٢) تقدم تخريجه ص : ٤٥٨ ، الحاشية : ١.
(٣) سورة : النساء ، الآية : ٥٩.
(٤) سورة : الأنعام ، الآية : ١٥٣.
(٥) تقدم تخريجه ص : ٥٠٠ ، الحاشية : ٥.