(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) (١) ، فأخبر أولا أن جزاءه جهنم ، وبالغ في ذلك بقوله تعالى : (خالِداً فِيها) عبارة عن طول المكث فيها ، ثم عطف بالغضب ، ثم بلعنته ، ثم ختم بقوله تعالى : (وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) (٢) والإعداد قبل البلوغ إلى المعدّ مما يدل على حصوله للمعدّ له ، ولأن القتل اجتمع فيه حق لله وحق المخلوق وهو المقتول.
قال ابن رشد : ومن شرط صحة التوبة من مظالم العباد تحللهم أو ردّ التباعات إليهم. وهذا مما لا سبيل إلى القاتل إليه إلا بأن يدرك المقتول حيّا فيعفو عنه نفسه.
وأولى من هذه العبارة أن نقول : ومن شرط خروجه من تباعة القتل مع التوبة استدراك ما فات على المجني عليه : إما ببذل القيمة له ، وهو أمر لا يمكن بعد فوت المقتول ، فكذلك لا يمكن في صاحب البدعة من جهة الأدلة ، فراجع ما تقدم في الباب الثاني تجد فيه كثيرا من التهديد والوعيد المخوف جدّا.
وانظر في قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٣) فهذا وعيد ، ثم قال تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) (٤) وتسويد الوجوه علامة الخزي ودخول النار ، ثم قال تعالى : (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) وهو تقريع وتوبيخ ، ثم قال تعالى : (فَذُوقُوا الْعَذابَ) الآية. وهو تأكيد آخر.
وكل هذا التقرير بناء على أن المراد بالآيات أهل القبلة من أهل البدع.
لأن المبتدع إذا اتّبع في بدعته لا يمكنه التلافي ـ غالبا ـ فيها ، ولم يزل أثرها في الأرض يستطيل إلى قيام الساعة ، وذلك كله بسببه ، فهي أدهى من قتل النفس.
قال مالك رحمة الله عليه : إن العبد لو ارتكب جميع الكبائر بعد أن لا يشرك بالله شيئا وجبت له أرفع المنازل ، لأن كل ذنب بين العبد وربه هو منه على رجاء ، وصاحب البدعة ليس هو منها على رجاء ، إنما يهوى به في نار جهنم فهذا منه نص في إنفاذ الوعيد.
__________________
(١) سورة : النساء ، الآية : ٩٣.
(٢) سورة : النساء ، الآية : ٩٣.
(٣) سورة : آل عمران ، الآية : ١٠٥.
(٤) سورة : آل عمران ، الآية : ١٠٦.