فصل
من تمام ما قبله :
وذلك أنه وقعت نازلة : إمام مسجد ترك ما عليه الناس بالأندلس من الدعاء للناس بآثار الصلوات بالهيئة الاجتماعية على الدوام ، وهو أيضا معهود في أكثر البلاد ، فإن الإمام إذا سلم من الصلاة يدعو للناس ويؤمّن الحاضرون ، وزعم التارك أن تركه بناء منه على أنه لم يكن من فعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولا فعل الأئمة بعده حسبما نقله العلماء في دواوينهم عن السلف والفقهاء. أما أنه لم يكن من فعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فظاهر ، لأن حاله عليه الصلاة والسلام في أدبار الصلوات مكتوبات أو نوافل كانت بين أمرين : إما أن يذكر الله تعالى ذكرا هو في العرف غير دعاء فليس للجماعة منه حظ ، إلا أن يقولوا مثل قوله ، أو نحوا من قوله كما في غير أدبار الصلوات ، كما جاء أنه كان يقول في دبر كل صلاة : «لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» (١) ، وقوله : «اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام» (٢) ، قوله : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) (٣) الآية ، ونحو ذلك ، فإنما كان يقول في خاصة نفسه كسائر الأذكار ، فمن قال مثل قوله ، فحسن ولا يمكن في هذا كله هيئة اجتماع.
وإن كان دعاء فعامة ما جاء من دعائه عليهالسلام بعد الصلاة مما سمع منه إنما كان يخص به نفسه دون الحاضرين ، كما في الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب : صفة الصلاة ، باب : الذكر بعد الصلاة ، وفي كتاب : الدعوات ، باب : الدعاء بعد الصلاة (الحديث : ٢ / ٢٧٥). وأخرجه مسلم في كتاب : المساجد ، باب : استحباب الذكر بعد الصلاة (الحديث : ٥٩٣). وأخرجه أبو داود في كتاب : الصلاة ، باب : ما يقول الرجل إذا سلّم (الحديث : ١٥٠٥). وأخرجه النسائي في كتاب : السهو ، باب : نوع آخر من القول عند انقضاء الصلاة (الحديث : ٣ / ٧٠).
(٢) أخرجه أبو داود في كتاب : الصلاة ، باب : ما يقول الرجل إذا سلّم (الحديث : ١٥١٢). وأخرجه النسائي في كتاب : السهو ، باب : الذكر بعد الاستغفار (الحديث : ٣ / ٦٩).
(٣) سورة : الصافات ، الآية : ١٨٠.