سنة إنما هو بأن يواظب الناس عليها مظهرين لها ، وهذا شأن السنة ، وإذا جرت مجرى السنن صارت من البدع بلا شك.
فإن قيل : كيف صارت هذه الأشياء من البدع الإضافية؟ والظاهر منها أنها بدع حقيقية! لأن تلك الأشياء إذا عمل بها على اعتقاد أنها سنّة فهي حقيقية إذا لم يضعها صاحب السنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم على هذا الوجه ، فصارت مثل ما إذا صلّى الظهر على أنها غير واجبة واعتقدها عبادة فإنها بدعة من غير إشكال ، هذا إذا نظرنا إليها بمآلها ، وإذا نظرنا إليها أولا فهي مشروعة من غير نسبة إلى بدعة أصلا.
فالجواب : أن السؤال صحيح ، إلا أن لوضعها أولا نظرين :
أحدهما : من حيث هي مشروعة فلا كلام فيها.
والثاني : من حيث صارت كالسبب الموضوع لاعتقاد البدعة أو للعمل بها على غير السنة ، فهي من هذا القبيل غير مشروعة ، لأن وضع الأسباب للشارع لا للمكلف والشارع لم يضع الصلاة في مسجد قباء أو بيت المقدس ـ مثلا ـ سببا لأن تتخذ سنة فوضع المكلف لها كذلك رأي غير مستند إلى الشرع ، فكان ابتداعا. وهذا معنى كونها بدعة إضافية.
أما إذا استقر السبب وظهر عنه مسببه الذي هو اعتقاد العمل سنّة ، والعمل على وفقه ، فذلك بدعة حقيقة لا إضافية ، ولهذا الأصل أمثلة كثيرة وقعت الإشارة إليها في أثناء الكلام ، فلا معنى للتكرار.
وإذا ثبت في الأمور المشروعة أنها قد تعد بدعا بالإضافة ، فما ظنك بالبدع الحقيقية ؛ فإنها قد تجتمع فيها أن تكون حقيقية وإضافية معا ، لكن من جهتين ، فإذا بدعة أصبح ولله الحمد في نداء الصبح ظاهرة ، ثم لما عمل بها في المساجد والجماعات مواظبا عليها لا تترك كما لا تترك الواجبات وما أشبهها ، كان تشريعا أولا يلزمه أن يعتقد فيه الوجوب أو السنّة ، وهذا ابتداع ثان إضافي. ثم إذا اعتقد فيها ثانيا السنية أو الفرضية صارت بدعة من ثلاثة أوجه ، ومثله يلزم في كل بدعة أظهرت والتزمت ، وأما إذا خفيت واختص بها صاحبها فالأمر عليه أخف ، فيا لله ويا للمسلمين! ما ذا يجني المبتدع على نفسه مما لا يكون في حسابه؟ وقانا الله شرور أنفسنا بفضله.