لهم من حرام استحلوه ، وما حرموا عليهم من حلال حرموه ، فتلك ربوبيتهم.
وحكى الطبري عن عدي مرفوعا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وهو قول ابن عباس أيضا وأبي العالية.
فتأملوا يا أولي الألباب! كيف حال الاعتقاد في الفتوى على الرجال من غير تحرّ للدليل الشرعي ، بل لمجرد العرض العاجل ، عافانا الله من ذلك بفضله.
والعاشر : رأي أهل التحسين والتقبيح العقليين ، فإن محصول مذهبهم تحكيم عقول الرجال دون الشرع ، وهو أصل من الأصول التي بنى عليها أهل الابتداع في الدين ، بحيث إن الشرع إن وافق آراءهم قبلوه ، وإلّا ردوه.
فالحاصل مما تقدم أن تحكيم الرجال من غير التفات إلى كونهم وسائل للحكم الشرعي المطلوب شرعا ضلال ، وما توفيقي إلا بالله ، وإن الحجة القاطعة والحاكم الأعلى هو الشرع لا غير.
ثم نقول : إن هذا مذهب أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ومن رأى سيرهم والنقل عنهم وطالع أحوالهم علم ذلك علما يقينا ، ألا ترى أصحاب السقيفة لما تنازعوا في الإمارة ، حتى قال بعض الأنصار : منا أمير ومنكم أمير ، فأتى الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأن الأئمة من قريش أذعنوا لطاعة الله ورسوله ولم يعبئوا برأي من رأي غير ذلك ، لعلمهم بأن الحق هو المقدم على آراء الرجال.
ولما أراد أبو بكر رضي الله عنه قتال مانعي الزكاة احتجوا عليه بالحديث المشهور ، فرد عليهم ما استدلوا به بغير ما استدلوا به وذلك قوله : إلا بحقها ، فقال : الزكاة حق المال ، ثم قال : «والله لو منعوني عقالا أو عناقا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم لقاتلتهم عليه» (١).
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب : الاعتصام ، باب : الاقتداء بسنن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأخرجه في كتاب : الزكاة ، باب : وجوب الزكاة ، وأخرجه في كتاب : المرتدين ، باب : قتل من أبي قبول الفرائض (الحديث : ١٣ / ٢١٧). وأخرجه مسلم في كتاب : الإيمان ، باب : الأمر بقتال الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله محمد رسول الله (الحديث : ٢٠). وأخرجه الإمام مالك في كتاب : الزكاة ، باب : ما جاء في أخذ الصدقات والتشديد فيها (الحديث : ١ / ٢٦٩). وأخرجه الترمذي ـ