يشتركان في أكثر الأحكام التي هي مقصود هذا الكتاب أن تشرح فيه ، بخلاف الإضافية ، فإن لها أحكاما خاصة وشرحا خاصا ـ وهو المقصود في هذا الباب إلا أن الإضافية أولا على ضربين : أحدهما يقرب من الحقيقية حتى تكاد البدعة تعد حقيقية ، والآخر يبعد منها حتى يكاد يعد سنّة محضة.
ولما انقسمت هذا الانقسام صار من الأكيد الكلام على كل قسم على حدته ، فلنعقد في كل واحد منهما فصولا بحسب ما يقتضيه الوقت ، وبالله التوفيق.
فصل
قال الله سبحانه في شأن عيسى عليهالسلام ومن اتبعه : (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (١).
فخرّج عبد الله بن حميد وإسماعيل بن إسحاق القاضي وغيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هل تدري أي الناس أعلم؟» قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : «أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس ، وإن كان مقصرا في العمل ، وإن كان يزحف على أليتيه ، واختلف من كان قبلنا على اثنتين وسبعين فرقة ، نجا منها ثلاث وهلك سائرها ، فرقة آذت الملوك وقاتلتهم على دين الله ـ ودين عيسى ابن مريم عليهماالسلام ـ فساحوا في الجبال وترهبوا فيها ، هم الذين قال الله عزوجل فيهم : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) ، فالمؤمنون الذين آمنوا بي وصدقوا بي والفاسقون الذين كذبوا وجحدوا» (٢) ، وهذا الحديث من أحاديث الكوفيين ، والرهبانية فيه بمعنى اعتزال الخلق في السياحة واطّراح الدنيا ولذاتها من النساء وغير ذلك ، ومنه لزوم الصوامع والديارة ـ على ما كان عليه أمر النصارى قبل الإسلام ـ
__________________
(١) سورة : الحديد ، الآية : ٢٧.
(٢) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (الحديث : ٩٥١٠).