شَيْءٍ) (١) وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على التفرق الذي صاروا به شيعا ، ومعنى صاروا شيعا أي جماعات بعضهم قد فارق البعض ، ليسوا على تآلف ولا تعاضد ولا تناصر ، بل على ضد ذلك ، فإن الإسلام واحد وأمره واحد ، فاقتضى أن يكون حكمه على الائتلاف التام لا على الاختلاف.
وهذه الفرقة مشعرة بتفرق القلوب المشعر بالعداوة والبغضاء ، ولذلك قال : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (٢) فبين أن التأليف إنما يحصل عند الائتلاف على التعلق بمعنى واحد ، وأما إذا تعلقت كل شيعة بحبل غير ما تعلقت به الأخرى فلا بد من التفرق ، وهو معنى قوله تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (٣) وإذا ثبت هذا نزل عليه لفظ الحديث واستقام معناه والله أعلم.
المسألة الثانية :
إن هذه الفرق إن كانت افترقت بسبب موقع في العداوة والبغضاء ، فإما أن يكون راجعا إلى أمر هو معصية غير بدعة ، ومثاله أن يقع بين أهل الإسلام افتراق بسبب دنياوي ، كما يختلف مثلا أهل قرية مع قرية أخرى بسبب تعدّ في مال أو دم ، حتى تقع بينهم العداوة فيصيروا حزبين ، أو يختلفون في تقديم وال أو غير ذلك فيفترقون ، ومثل هذا محتمل ، وقد يشعر به «من فارق الجماعة قيد شبر فميتته جاهلية» (٤) وفي مثل هذا جاء في الحديث : «إذا بويع الخليفتان فاقتلوا الآخر منهما» (٥) وجاء في القرآن الكريم : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) (٦) إلى آخر القصة.
وإمّا أن يرجع إلى أمر هو بدعة ، كما افترق الخوارج من الأمة ببدعهم التي بنوا عليها
__________________
(١) سورة : الأنعام ، الآية : ١٥٩.
(٢) سورة : آل عمران ، الآية : ١٠٣.
(٣) سورة : الأنعام ، الآية : ١٥٣.
(٤) أخرج نحوه أبو داود في كتاب : السنة ، باب : في قتل الخوارج (الحديث : ٤٧٥٨). وأخرج نحوه أحمد في المسند (٥ / ١٨٠) ولفظه : «من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه».
(٥) أخرجه مسلم في كتاب : الإمارة ، باب : إذا بويع لخليفتين (الحديث : ١٨٥٣).
(٦) سورة : الحجرات ، الآية : ٩.