وقال جماعة من العلماء : أصول البدع أربعة ، وسائر الثنتين والسبعين فرقة عن هؤلاء تفرقوا ، وهم : الخوارج ، والروافض ، والقدرية ، والمرجئة.
قال يوسف بن أسباط : ثم تشعبت كل فرقة ثمان عشرة فرقة : فتلك اثنتان وسبعون فرقة ، والثالثة والسبعون هي الناجية.
وهذا التقدير نحو من الأول ، ويرد عليه من الإشكال ما ورد على الأول.
فشرح ذلك الشيخ أبو بكر الطرطوشي رحمهالله شرحا يقرب الأمر ، فقال : لم يرد علماؤنا بهذا التقدير أن أصل كل بدعة من هذه الأربع تفرقت وتشعبت على مقتضى أصل البدع حتى تحملت تلك العدة ، لأن ذلك لعله لم يدخل في الوجود إلى الآن. قال : وإنما أرادوا أن كل بدعة ضلالة لا تكاد توجد إلا في هذه الفرق الأربع ، وإن لم تكن البدعة الثانية فرعا للأولى ولا شعبة من شعبها ، بل هي بدعة مستقلة بنفسها ليست من الأولى بسبيل.
ثم بيّن ذلك بالمثال بأن القدر أصل من أصول البدع ، ثم اختلف أهله في مسائل من شعب القدر ، وفي مسائل لا تعلق لها بالقدر ، فجميعهم متفقون على أن أفعال العباد مخلوقة لهم من دون الله تعالى.
ثم اختلفوا في فرع من فروع القدر. فقال أكثرهم : لا يكون فعل بين فاعلين مخلوقين على التولد ، أحال مثله بين القديم والمحدث.
ثم اختلفوا فيما لا يعود إلى القدر في مسائل كثيرة ، كاختلافهم في الصلاح والأصلح : فقال البغداديون منهم : يجب على الله تعالى فعل الصلاح لعباده في دينهم ، ويجب عليه ابتداء الخلق الذين علم أنه يكلفهم ، ويجب عليه إكمال عقولهم وإقدارهم وإزاحة عللهم.
وقال البصريون منهم : لا يجب على الله إكمال عقولهم ولا أن يؤتيهم أسباب التكليف.
وقال البغداديون منهم : يجب على الله ـ تعالى عن قولهم ـ عقاب العصاة إذا لم يتوبوا. والمغفرة من غير توبة سفه من الغافر.
وأما المضريون منهم ذلك.