والثاني : رأي الإمامية في اتباع الإمام المعصوم ـ في زعمهم ـ وإن خالف ما جاء به النبي المعصوم حقّا ، وهو محمد صلىاللهعليهوسلم ، فحكموا الرجال على الشريعة ولم يحكموا الشريعة على الرجال ، وإنما أنزل الكتاب ليكون حكما على الخلق على الإطلاق والعموم.
والثالث : لاحق بالثاني ، وهو مذهب الفرقة المهدوية التي جعلت أفعال مهديّهم حجة ، وافقت حكم الشريعة أو خالفت ، بل جعلوا أكثر ذلك أنفحة (؟) في عقد إيمانهم من خالفهم كفروه وجعلوا حكمه حكم الكافر الأصلي ، وقد تقدم من ذلك أمثله.
والرابع : رأي المقلدة لمذهب إمام يزعمون أن إمامهم هو الشريعة ، بحيث يأنفون أن تنسب إلى أحد من العلماء فضيلة دون إمامهم ، حتى إذا جاءهم من بلغ درجة الاجتهاد وتكلم في المسائل ولم يرتبط إلى إمامهم رموه بالنكير ، وفوقوا إليه سهام النقد ، وعدوه من الخارجين عن الجادة ، والمفارقين للجماعة من غير استدلال منهم بدليل ، بل بمجرد الاعتياد العامي.
ولقد لقي الإمام بقيّ بن مخلد حين دخل الأندلس آتيا من المشرق من هذا الصنف الأمرّين ، حتى أصاروه مهجور الفناء مهتضم الجانب ، لأنه من العلم بما لا يدي لهم به ، إذ لقي بالمشرق الإمام أحمد بن حنبل وأخذ عنه مصنفه وتفقه عليه ، ولقي أيضا غيره ، حتى صنف المسند المصنف الذي لم يصنف في الإسلام مثله ، وكان هؤلاء المقلدة قد صمموا على مذهب مالك ، بحيث أنكروا ما عداه ، وهذا تحكيم الرجال على الحق ، والغلو في محبة المذهب ، وعين الإنصاف ترى أن الجميع أئمة فضلاء ، فمن كان متبعا لمذهب مجتهد لكونه لم يبلغ درجة الاجتهاد فلا يضره مخالفة غير إمامه لإمامه ، لأن الجميع سالك على الطريق المكلف به ، فقد يؤدي التغالي في التقليد إلى إنكار لما أجمع الناس على ترك إنكاره.
والخامس : رأي نابتة متأخرة الزمان ممن يدّعي التخلق بخلق أهل التصوف المتقدمين ، أو يروم الدخول فيهم ، يعمدون إلى ما نقل عنهم في الكتب من الأحوال الجارية عليهم أو الأقوال الصادرة عنهم ، فيتخذونها دينا وشريعة لأهل الطريقة ، وإن كان كانت مخالفة للنصوص الشرعية من الكتاب والسنة ، أو مخالفة لما جاء عن السلف الصالح ، لا يلتفتون معها إلى فتيا مفت ولا نظر عالم ، بل يقولون : إن صاحب هذا الكلام ثبتت ولايته ،