فكل ما يفعله أو يقوله حق ، وإن كان مخالفا فهو أيضا ممن يقتدي به ؛ والفقه للعموم ؛ وهذه طريقة الخصوص!
فتراهم يحسنون الظن بتلك الأقوال والأفعال ولا يحسنون الظن بشريعة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهو عين أتباع الرجال وترك الحق ، مع أن أولئك المتصوفة الذين ينقل عنهم لم يثبت أن ما نقل عنهم كان في النهاية دون البداية ، ولا علم أنهم كانوا مقرين بصحة ما صدر عنهم أم لا ، وأيضا فقد يكون من أئمة التصوف وغيرهم من زل زلة يجب سترها عليه ، فينقلها عنه من لا يعلم حاله ممن لم يتأدب بطريق القوم كل التأدب.
وقد حذر السلف الصالح من زلة العالم ، وجعلوها من الأمور التي تهدم الدين ، فإنه ربما ظهرت فتطير في الناس كل مطار ، فيعدونها دينا ، وهي ضد الدين ، فتكون الزلة حجة في الدين.
فكذلك أهل التصوف لا بدّ في الاقتداء بالصوفي من عرض أقواله وأفعاله على حاكم يحكم عليها : هل هي من جملة ما يتخذ دينا أم لا؟ والحاكم هو الشرع وأقوال العالم تعرض على الشرع أيضا ، وأقل ذلك في الصوفي أن نسأله عن تلك الأعمال إن كان عالما بالفقه ، كالجنيد وغيره رحمهمالله.
ولكن هؤلاء الرجال النابتة لا يفعلون ذلك ، فصاروا متبعين الرجال من حيث هم رجال لا من حيث هم راجحون بالحاكم الحق ، وهو خلاف ما عليه السلف الصالح وما عليه المتصوفة أيضا ، إذ قال إمامهم سهل بن عبد الله التستري : «مذهبنا مبني على ثلاثة أصول :
الاقتداء بالنبي صلىاللهعليهوسلم في الأخلاق والأفعال ، والأكل من الحلال ، وإخلاص النية في جميع الأعمال». ولم يثبت في طريقهم اتباع الرجال على انحراف ، وحاشاهم من ذلك ، بل اتباع الرجال ، شأن أهل الضلال.
والسادس : رأي نابتة في هذه الأزمنة أعرضوا عن النظر في العلم الذي هم أرادوا الكلام فيه والعمل بحسبه ، ثم رجعوا إلى تقليد بعض الشيوخ الذين أخذوا عنهم في زمان الصبا الذي هو مظنة لعدم التثبت من الآخذ ، أو التغافل من المأخوذ عنه ، ثم جعلوا أولئك الشيوخ في أعلى درجات الكمال ، ونسبوا إليهم ما نسبوا به من الخطإ ، أو فهموا عنهم على غير تثبت ولا سؤال عن تحقيق المسألة المروية ، وردوا جميع ما نقل عن الأولين مما هو