وقتلهم أولادهم سفها بغير علم ، وترك العدل في القصاص والميراث ، والحيف في النكاح والطلاق ، وأكل مال اليتيم على نوع من الحيل ، إلى أشباه ذلك مما نبه عليه الشرع وذكره العلماء ، حتى صار التشريع ديدنا (١) لهم ، وتغيير ملة إبراهيم عليهالسلام سهلا عليهم ، فأنشأ ذلك أصلا مضافا إليهم وقاعدة رضوا بها ، وهي التشريع المطلق لا الهوى ، ولذلك لما نبههم الله تعالى على إقامة الحجة عليهم بقوله تعالى : (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) (٢) قال فيها : (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣) فطالبهم بالعلم الذي شأنه أن لا يشرع إلا حقا وهو علم الشريعة لا غيره ، ثم قال تعالى : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا) (٤)؟ تنبيها لهم على أن هذا ليس مما شرعه في ملة إبراهيم ، ثم قال : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٥) فثبت أن هذه الفرق إنما افترقت بحسب أمور كلية اختلفوا فيها والله أعلم.
المسألة السادسة :
إنا إذا قلنا بأن هذه الفرق كفار ـ على قول من قال به ـ أو ينقسمون إلى كافر وغيره فكيف يعدون من الأمة؟ وظاهر الحديث يقتضي أن ذلك الافتراق إنما هو مع كونهم من الأمة ، وإلّا فلو خرجوا من الأمة إلى الكفر لم يعدوا منها البتة ـ كما تبين ـ.
وكذلك الظاهر في فرق اليهود والنصارى ، إن التفرق فيهم حاصل مع كونهم هودا ونصارى.
فيقال في الجواب عن هذا السؤال : إنه يحتمل أمرين :
أحدهما : أن نأخذ الحديث على ظاهره في كون هذه الفرق من الأمة ، ومن أهل القبلة ، ومن قيل بكفره منهم ، فإما أن يسلم فيهم هذا القول فلا يجعلهم من الأمة أصلا ولا
__________________
(١) الدّيدن : الدأب.
(٢) سورة : الأنعام ، الآية : ١٤٣.
(٣) سورة : الأنعام ، الآية : ١٤٣.
(٤) سورة : الأنعام ، الآية : ١٤٤.
(٥) سورة : الأنعام ، الآية : ١٤٤.