قال ابن عبد البر : قد بين مالك رحمهالله أن الكلام فيما تحته عمل هو مباح عنده وعند أهل بلده ـ يعني : العلماء منهم ـ وأخبر أن الكلام في الدين نحو القول في صفات الله وأسمائه ، وضرب مثلا نحو رأي جهم والقدر قال : والذي قاله مالك عليه جماعة الفقهاء قديما وحديثا من أهل الحديث والفتوى ، وإنما خالف في ذلك أهل البدع ، وأما الجماعة فعلى ما قال مالك رحمهالله ، إلا أن يضطر أحد إلى الكلام ، فلا يسعه السكوت إذا طمع في درء الباطل وصرف صاحبه عن مذهبه ، وخشي ضلالة عامة ، أو نحو هذا.
وقال يونس بن عبد الأعلى : سمعت الشافعي يوم ناظره حفص الفرد قال لي : يا أبا موسى! لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الكلام ، لقد سمعت من حفص كلاما لا أقدر أن أحكيه.
وقال أحمد بن حنبل : لا يفلح صاحب الكلام أبدا ولا تكاد ترى أحدا نظر في المسائل إلا وفي قلبه دغل.
وقال عن الحسن بن زياد اللؤلؤي ، وقال له رجل في زفر بن الهذيل : أكان ينظر في الكلام؟ فقال : سبحان الله ما أحمقك! ما أدركت مشيختنا زفر وأبا يوسف وأبا حنيفة ومن جالسنا وأخذنا عنهم ، همهم غير الفقه والاقتداء بمن تقدمهم.
وقال ابن عبد البر : أجمع أهل الفقه والآثار في جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ ، ولا يعدون عند الجميع في جميع الأمصار في طبقات العلماء ، وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه ويتفاضلون فيه بالإتقان والميز والفهم.
وعن أبي الزناد أنه قال : وايم الله إن كنا لنلتقط السنن من أهل الفقه والثقة ، ونتعلمها شبيها بتعلمنا أي القرآن ، وما برح من أدركنا من أهل الفقه والفضل من خيار أولية الناس ، يعيبون أهل الجدل والتنقيب والأخذ بالرأي وينهون عن لقائهم ومجالستهم ، ويحذروننا مقاربتهم أشد التحذير ، ويخبرون أنهم أهل ضلال وتحريف لتأويل كتاب الله وسنن رسوله ، وما توفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى كره المسائل وناحية التنقيب والبحث وزجر عن ذلك ، وحذره المسلمين في غير موطن ، حتى كان من قوله كراهية لذلك : «ذروني ما تركتكم فإنما هلك الذين من قبلكم بسؤالهم واختلافهم على