حكمها حكم العادات في أن المسكوت عنه كالمأذون فيه ، إن قيل بذلك ؛ فهي تفارقها ، إذ لا يقدم على استنباط عبادة لا أصل لها ؛ لأنها مخصوصة بحكم الإذن المصرح به ، بخلاف العادات ، والفرق بينهما ما تقدم من اهتداء العقول للعاديات في الجملة. وعدم اهتدائها لوجوه التقربات إلى الله تعالى. وقد أشير إلى هذا المعنى في كتاب (الموافقات) وإلى هذا.
فإذا ثبت أن المصالح المرسلة ترجع إما إلى حفظ ضروري من باب الوسائل أو إلى التخفيف ، فلا يمكن إحداث البدع من جهتها ولا الزيادة في المندوبات ؛ لأن البدع من باب الوسائل ، لأنها متعبد بها بالفرض ، ولأنها زيادة في التكليف وهو مضاد للتخفيف.
فحصل من هذا كله أن لا تعلق للمبتدع بباب المصالح المرسلة إلى القسم الملغى باتفاق العلماء ، وحسبك به متعلقا. والله الموفق.
وبذلك كله يعلم من قصد الشارع أنه لم يكل شيئا من التعبدات إلى آراء العباد فلم يبق إلا الوقوف عند ما حده. والزيادة عليه بدعة ، كما أن النقصان منه بدعة ، وقد مرّ لهما أمثلة كثيرة ، وسيأتي أخيرا في أثناء الكتاب بحول الله.
فصل
وأما الاستحسان : فلأن لأهل البدع أيضا تعلقا به ؛ فإن الاستحسان لا يكون إلا بمستحسن ، وهو إما العقل أو الشرع.
أما الشرع فاستحسانه واستقباحه قد فرغ منهما ، لأن الأدلة اقتصت ذلك فلا فائدة لتسميته استحسانا ، ولا لوضع ترجمة له زائدة على الكتاب والسنّة والإجماع ، وما ينشأ عنها من القياس والاستدلال ، فلم يبق إلا العقل هو المستحسن ، فإن كان بدليل فلا فائدة لهذه التسمية ، لرجوعه إلى الأدلة لا إلى غيرها ، وإن كان بغير دليل فذلك هو البدعة التي تستحسن.
ويشهد لذلك قول من قال في الاستحسان : إنه ما يستحسنه المجتهد بعقله ، ويميل إليه برأيه قالوا : وهو عند هؤلاء من جنس ما يستحسن في العوائد ، وتميل إليه الطباع ؛ فيجوز الحكم بمقتضاه إذا لم يوجد في الشرع ما ينافي هذا الكلام ما بيّن أن ثمّ من التعبدات ما لا