يكون عليه دليل ، وهو الذي يسمى بالبدعة ، فلا بد أن ينقسم إلى حسن وقبيح ، إذ ليس كل استحسان حقا.
وأيضا : فقد يجري على التأويل الثاني للأصوليين في الاستحسان ، وهو أن المراد به : دليل ينقدح في نفس المجتهد ، لا تساعده العبارة عنه ولا يقدر على إظهاره ، وهذا التأويل ؛ فالاستحسان يساعده لبعده ؛ لأن يبعد في مجاري العادات أن يبتدع أحد بدعة من غير شبهة دليل ينقدح له ، بل عامة البدع لا بدّ لصاحبها من متعلق دليل شرعي ، لكن قد يمكنه إظهاره وقد لا يمكنه ـ وهو الأغلب ـ فهذا مما يحتجون به.
وربما ينقدح لهذا المعنى وجه بالأدلة التي استدل بها أهل التأويل الأولون ، وقد أتوا بثلاثة أدلة :
أحدها : قوله الله سبحانه : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) (١) وقوله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) (٢) وقوله تعالى : (فَبَشِّرْ عِبادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) (٣) هو ما تستحسنه عقولهم.
والثاني : قوله عليه الصلاة والسلام : «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» (٤) وإنما يعني بذلك ما رأوه بعقولهم ، وإلّا لو كان حسنه بالدليل الشرعي لم يكن من حسن ما يرون ، إذ لا مجال للعقول في التشريع على ما زعمتم ، فلم يكن للحديث فائدة ، فدلّ على أن المراد ما رأوه برأيهم.
والثالث : أن الأمة قد استحسنت دخول الحمام من غير تقدير أجرة ولا تقدير مدة
__________________
(١) سورة : الزمر ، الآية : ٥٥.
(٢) سورة : الزمر ، الآية : ٢٣.
(٣) سورة : الزمر ، الآيتان : ١٧ ـ ١٨.
(٤) أخرج نحوه البخاري في كتاب : الجنائز ، باب : ثناء الناس على الميت (الحديث : ٣ / ١٨١). وأخرجه مسلم في كتاب : الجنائز ، باب : فيمن يثنى عليه خير أو شر من الموتى (الحديث : ٩٤٩).