اللبث ولا تقدير الماء المستعمل ، ولا سبب لذلك إلا أن المشاحة في مثله قبيحة في العادة ، فاستحسن الناس تركه ، مع أنا نقطع أن الإجارة المجهولة ، أو مدة الاستئجار أو مقدار المشتري إذا جهل فإنه ممنوع ، وقد استحسنت إجارته مع مخالفة الدليل ، فأولى أن يجوز إذا لم يخالف دليلا.
فأنت ترى أن هذا الموضع مزلة قدم أيضا لمن أراد أن يبتدع ، فله أن يقول : إن استحسنت كذا وكذا فغيري من العلماء استحسن ، وإذا كان كذلك فلا بدّ من فضل اعتناء بهذا الفصل ، حتى لا يغتر به جاهل أو زاعم أنه عالم ، وبالله التوفيق. فنقول :
إن الاستحسان يراه معتبرا في الأحكام مالك وأبو حنيفة ، بخلاف الشافعي فإنه منكر له جدا حتى قال : من استحسن فقد شرع ، والذي يستقرئ من مذهبهما أنه يرجع إلى العمل بأقوى الدليلين. هكذا قال ابن العربي ـ قال ـ فالعموم إذا استمرّ ، والقياس إذا اطّرد ، فإن مالكا وأبا حنيفة يريان تخصيص العموم بأي دليل كان من ظاهر أو معنى ـ قال ـ ويستحسن مالك أن يخص بالمصلحة ، ويستحسن أبو حنيفة أن يخص بقول الواحد من الصحابة الوارد بخلاف القياس ـ قال ـ ويريان معا تخصيص القياس ونقص العلة ، ولا يرى الشافعي لعلة الشرع ـ إذا ثبت ـ تخصيصا ، هذا ما قال ابن العربي. ويشعر بذلك تفسير الكرخي أنه العدول عن الحكم في المسألة بحكم نظائرها إلى خلافه لوجه أقوى.
وقال بعض الحنفية : إنه القياس الذي يجب العمل به ، لأن العلة كانت علة بأثرها :
سموا الضعيف الأثر قياسا والقوي الأثر استحسانا ، أي قياسا مستحسنا ، وكأنه نوع من العمل بأقوى القياسين ، وهو يظهر من استقراء مسائلهم في الاستحسان بحسب النوازل الفقهية.
بل قد جاء عن مالك أن الاستحسان تسعة أعشار العلم ، ورواه أصبغ عن ابن القاسم عن مالك ، قال أصبغ في الاستحسان : قد يكون أغلب من القياس. وجاء عن مالك : إن المفرق في القياس يكاد يفارق السنّة.
وهذا الكلام لا يمكن أن يكون بالمعنى الذي تقدم قبل ، وأنه ما يستحسنه المجتهد