بعقله ، أو أنه دليل ينقدح في نفس المجتهد تعسر عبارته عنه ، فإن مثل هذا لا يكون تسعة أعشار العلم ، ولا أغلب من القياس الذي هو أحد الأدلة.
وقال ابن العربي في موضع آخر : الاستحسان إيثار ترك مقتضى الدليل على طريق الاستثناء والترخص ، لمعارضة ما يعارض به في بعض مقتضياته ، وقسمه أقساما عدّ منها أربعة أقسام ، وهي : ترك الدليل للعرف ، وتركه للمصلحة ، وتركه لليسير ، وتركه لرفع المشقة ، وإيثار التوسعة.
وحدّه غير ابن العربي من أهل المذهب بأنه عند مالك : استعمال مصلحة جزئية في مقابلة قياس كلي ـ قال ـ : فهو تقديم الاستدلال المرسل على القياس.
وعرفه ابن رشد فقال : الاستحسان الذي يكثر استعماله حتى يكون أعم من القياس ـ هو أن يكون طرحا لقياس يؤدي إلى غلو في الحكم ومبالغة فيه فيعدل عنه في بعض المواضع لمعنى يؤثر في الحكم يختص به ذلك الموضع.
وهذه تعريفات ، قريب بعضها من بعض.
وإذا كان هذا معناه عن مالك وأبي حنيفة فليس بخارج عن الأدلة البتة ، لأن الأدلة يقيد بعضها ويخصص بعضها بعضا ، كما في الأدلة السنّية مع القرآنية ، ولا يرد الشافعي مثل هذا أصلا ، فلا حجة في تسميته استحسانا لمبتدع على حال.
ولا بدّ من الإتيان بأمثلة تبين المقصود بحول الله ، ونقتصر على عشرة أمثلة :
أحدها : أن يعدل بالمسألة عن نظائرها بدليل الكتاب ، كقوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) (١) فظاهر اللفظ العموم في جميع ما يتمول به ، وهو مخصوص في الشرع بالأموال الزكوية خاصة ، فلو قال قائل : مالي صدقة ، فظاهر لفظه يعم كل مال ، ولكنا نحمله على مال الزكاة ، لكونه ثبت الحمل عليه في الكتاب. قال العلماء : وكأن هذا يرجع إلى تخصيص العموم بعادة فهم خطاب القرآن ، وهذا المثال أورده الكرخي تمثيلا لما قاله في الاستحسان.
__________________
(١) سورة : التوبة ، الآية : ١٠٣.