وتحت هذا الرمز تفاصيل عظيمة الموقع ، لعلها تذكر فيما بعد إن شاء الله ، وقد أشير إلى جملة منها.
فصل
إذا تقرر أن البدع ليست في الذم ولا في النهي على رتبة واحدة ، وأن منها ما هو مكروه ، كما أن منها ما هو محرم ، فوصف الضلالة لازم لها وشامل لأنواعها لما ثبت من قوله صلىاللهعليهوسلم : «كل بدعة ضلالة» (١).
لكن يبقى هاهنا إشكال ، وهو أن الضلالة ضد الهدى لقوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) (٢) ، وقوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) (٣) (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ) (٤) وأشباه ذلك مما قوبل فيه بين الهدى والضلال ، فإنه يقتضي أنهما ضدان وليس بينهما واسطة تعتبر في الشرع ، فدل على أن البدع المكروهة خروج عن الهدى.
ونظيره في المخالفات التي ليست ببدع ، المكروهة من الأفعال ، كالالتفات اليسير في الصلاة من غير حاجة ، والصلاة وهو يدافعه الأخبثان وما أشبه ذلك.
ونظيره في الحديث : «نهينا عن اتباع الجنائز ولم يحرم علينا» (٥) فالمرتكب للمكروه لا يصح أن يقال فيه مخالف ولا عاص ، مع أن الطاعة ضدها المعصية ، وفاعل المندوب مطيع لأنه فاعل ما أمر به ، فإذا اعتبرت الضد لزم أن يكون فاعل المكروه عاصيا لأنه فاعل ما نهي عنه ، لكن ذلك غير صحيح ، إذ لا يطلق عليه عاص ، فكذلك لا يكون فاعل البدعة
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٣٣١ ، الحاشية : ١.
(٢) سورة : البقرة ، الآية : ١٧٥.
(٣) سورة : الزمر ، الآية : ٢٣.
(٤) سورة : الزمر ، الآية : ٣٧.
(٥) أخرجه البخاري في كتاب : الجنائز ، باب : اتباع النساء الجنازة (الحديث : ٣ / ١١٥). وأخرجه أبو داود في كتاب : الجنائز ، باب : اتباع النساء الجنائز (الحديث : ٣١٦٧).