٩ ـ باب : في السبب الذي لأجله افترقت المبتدعة
عن جماعة المسلمين
فاعلموا رحمكم الله أن الآيات الدالة على ذم البدعة وكثيرا من الأحاديث أشعرت بوصف لأهل البدعة ، وهو الفرقة الحاصلة ، حتى يكونوا بسببها شيعا متفرقة ، لا ينتظم شملهم بالإسلام ، وإن كانوا من أهله ، وحكم لهم بحكمه.
ألا ترى أن قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (١) ، وقوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ* مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) (٢) الآية ، وقوله : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (٣) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وصف التفرق؟
وفي الحديث : «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة» (٤) والتفرق ناشئ عن الاختلاف في المذاهب والآراء إن جعلنا التفرق معناه بالأبدان ـ وهو الحقيقة ـ وإن جعلنا معنى التفرق في المذاهب ، فهو الاختلاف كقوله : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) (٥).
فلا بد من النظر في هذا الاختلاف ما سببه؟ وله سببان :
أحدهما : لا كسب للعباد فيه ، وهو الراجع إلى سابق القدر.
والآخر : هو الكسبي وهو المقصود بالكلام عليه في هذا الباب ، إلا أن نجعل السبب
__________________
(١) سورة : الأنعام ، الآية : ١٥٩.
(٢) سورة : الروم ، الآيتان : ٣١ ـ ٣٢.
(٣) سورة : الأنعام ، الآية : ١٥٣.
(٤) أخرجه أبو داود في كتاب : السنة ، باب : شرح السنة (الحديث : ١٠٢٤).
(٥) سورة : آل عمران ، الآية : ١٠٥.