فحكي عنه في ذلك أشياء من أخفها قوله : الاستحسان تسعة أعشار العلم ولا يكاد المغرق في القياس إلّا يفارق السنة.
والآثار المتقدمة ليست عند مالك مخصوصة بالرأي في الاعتقاد ، فهذه كلها تشديدات في الرأي وإن كان جاريا على الأصول ، حذرا من الوقوع في الرأي غير الجاري على أصل. ولابن عبد البر ـ هنا ـ كلام كثير كرهنا الإتيان به.
والحاصل من جميع ما تقدم : أن الرأي المذموم ما بني على الجهل واتباع الهوى من غير أن يرجع إليه ، وما كان منه ذريعة إليه وإن كان في أصله محمودا ، وذلك راجع إلى أصل شرعي ؛ فالأول داخل تحت حد البدعة وتتنزل عليه أدلة الذم ، والثاني خارج عنه ولا يكون بدعة أبدا.
فصل
الوجه السادس : يذكر في بعض ما في البدع من الأوصاف المحذورة ، والمعاني المذمومة ، وأنواع الشؤم ، وهو كالشرح لما تقدم أولا ؛ وفيه زيادة بسط وبيان زائد على ما تقدم في أثناء الأدلة ، فلنتكلم على ما يسع ذكره بحسب الوقت والحال.
فاعلموا أن البدعة لا يقبل معها عبادة من صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا غيرها من القربات ، ومجالس صاحبها تنزع منه العصمة ويوكل إلى نفسه ، والماشي إليه وموقره معين على هدم الإسلام ، فما الظن بصاحبها وهو ملعون على لسان الشريعة ، ويزداد من الله بعبادته بعدا؟! وهي مظنة إلقاء العداوة والبغضاء ، ومانعة من الشفاعة المحمدية ، ورافعة للسنن التي تقابلها ، وعلى مبتدعها إثم من عمل بها ، وليس له من توبة ، وتلقى عليه الذلة والغضب من الله ، ويبعد عن حوض رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويخاف عليه أن يكون معدودا في الكفار الخارجين عن الملة ؛ وسوء الخاتمة عند الخروج من الدنيا ، ويسودّ وجهه في الآخرة يعذب بنار جهنم ، وقد تبرأ منه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتبرأ منه المسلمون ، ويخاف عليه الفتنة في الدنيا زيادة إلى عذاب الآخرة.
فأما أن البدعة لا يقبل معها عمل ، فقد روي عن الأوزاعي أنه قال : كان بعض أهل