وهذا الحديث وإن لم يكن هنالك ، ولكن معناه صحيح يشهد له الاستقراء لمن تتبع آيات القرآن الكريم ، ويشهد لما تقدم من أن هذا المعنى مقصود استشهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمثله ، إذ رأى بعض أصحابه وقد اشترى لحما بدرهم : أين تذهب بكم هذه الآية : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) ، والآية إنما نزلت في الكفار ، لقوله تعالى : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ) الآية ، إلى أن قال تعالى : (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) (١) ولم يمنعه رضي الله عنه إنزالها في الكفار من الاستشهاد بها في مواضع اعتبارا بما تقدم ، وهو أصل شرعي تبين في كتاب (الموافقات).
فالحاصل : أن من عدّ الفرق من المبتدعة الابتداع الجزئي لا يبلغ مبلغ أهل البدع في الكليات ، في الذم والتصريح بالوعيد بالنار ، ولكنهم اشتركوا في المعنى المقتضي للذم والوعيد ، كما اشترك في اللفظ صاحب اللحم ـ حين تناول بعض الطيبات على وجه فيه كراهية ما في اجتهاد عمر ـ مع أنه أذهب طيّباته في حياته الدنيا من الكفار ، وإن كان ما بينهما من البون البعيد ، والقرب والبعد من العارف المذموم بحسب ما يظهر من الأدلة للمجتهد ، وقد تقدم بسط ذلك في بابه ، والحمد لله.
المسألة السادسة عشرة :
أن رواية من روى في تفسير الفرقة الناجية «وهي الجماعة» محتاجة إلى التفسير لأنه إن كان معناه بينا من جهة تفسير الرواية الأخرى ـ وهي قوله : «ما أنا عليه وأصحابي» (٢) ـ فمعنى لفظ : «الجماعة» من حيث المراد به في إطلاق الشرع محتاج إلى التفسير.
فقد جاء في أحاديث كثيرة منها الحديث الذي نحن في تفسيره ، ومنها ما صحّ عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه ، فإنه من فارق الجماعة شيئا فمات مات ميتة جاهلية» (٣).
__________________
(١) سورة : الأحقاف ، الآية : ٢٠.
(٢) تقدم تخريجه ص : ٣٤٩ ، الحاشية : ١.
(٣) تقدم تخريجه ص : ٣٦٣ ، الحاشية : ٣.