١ ـ باب : في تعريف البدع وبيان معناها وما اشتق منه لفظا
وأصل مادة «بدع» : للاختراع على غير مثال سابق ، ومنه قول الله تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١) ، أي : مخترعهما من غير مثال سابق متقدم ، وقوله تعالى : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) (٢) ، أي : ما كنت أول من جاء بالرسالة من الله إلى العباد بل تقدمني كثير من الرسل ، ويقال : ابتدع فلان بدعة يعني : ابتدأ طريقة لم يسبقه إليها سابق. وهذا أمر بديع ، يقال في الشيء المستحسن الذي لا مثال له في الحسن ، فكأنه لم يتقدمه ما هو مثله ولا ما يشبهه.
ومن هذا المعنى سميت البدعة بدعة ، فاستخراجها للسلوك عليها هو الابتداع ، وهيئتها هي البدعة ، وقد يسمى العلم المعمول على ذلك الوجه بدعة : فمن هذا المعنى سمي العمل الذي لا دليل عليه في الشرع بدعة ، وهو إطلاق أخص منه في اللغة حسبما يذكر بحول الله.
ثبت في علم الأصول أن الأحكام المتعلقة بأفعال العباد وأقوالهم ثلاثة : حكم يقتضيه معنى الأمر ، كان للإيجاب أو الندب. وحكم يقتضيه معنى النهي ، كان للكراهة أو التحريم.
وحكم يقتضيه معنى التخيير ، وهو الإباحة. فأفعال العباد وأقوالهم ، لا تعدو هذه الأقسام الثلاثة : مطلوب فعله ، ومطلوب تركه ، ومأذون في فعله وتركه. والمطلوب تركه لم يطلب تركه إلا لكونه مخالفا للقسمين الأخيرين ، لكنه على ضربين :
أحدهما : أن يطلب تركه ، وينهى عنه لكون مخالفة خاصة مع مجرد النظر عن غير ذلك ، وهو إن كان محرما سمي فعلا معصية وإثما ، وسمي فاعله عاصيا وآثما وإلّا لم يسم
__________________
(١) سورة : البقرة ، الآية : ١١٧.
(٢) سورة : الأحقاف ، الآية : ٩.