الفوت فوت الأموال ، وأنها لا تستند إلى التلف السماوي ، بل ترجع إلى صنع العباد على المباشرة أو التفريط.
وفي الحديث : «لا ضرر ولا ضرار» (١) تشهد له الأصول من حيث الجملة ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم نهى عن أن يبيع حاضر لباد ، وقال : «دع الناس يرزق الله بعضهم من بعض» (٢) وقال : «لا تلقوا الركبان بالبيع حتى يهبط بالسلع إلى الأسواق» (٣) وهو من باب ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ، فتضمين الصناع من ذلك القبيل.
المثال الرابع :
إن العلماء اختلفوا في الضرب بالتهم ، وذهب مالك إلى جواز السجن في التهم ، وإن كان السجن نوعا من العذاب ، ونص أصحابه على جواز الضرب ، وهو عند الشيوخ من قبيل تضمين الصناع ، فإنه لو لم يكن الضرب والسجن بالتهم لتعذر استخلاص الأموال من أيدي السراق والغصاب ، إذ قد يتعذر إقامة البينة ، فكانت المصلحة في التعذيب وسيلة إلى التحصيل بالتعيين والإقرار.
فإن قيل : هذا فتح باب لتعذيب البريء.
قيل : ففي الإعراض عنه إبطال استرجاع الأموال ، بل الإضراب عن التعذيب أشد ضررا ، إذ لا يعذب أحد لمجرد الدعوى ، بل مع اقتران قرينة تحيك في النفس ، وتؤثر في
__________________
(١) أخرجه الإمام مالك في الموطأ في كتاب : الأقضية ، باب : القضاء في المرافق (الحديث : ٢ / ٧٤٥).
(٢) أخرجه مسلم في كتاب : البيوع ، باب : تحريم بيع الحاضر للبادي (الحديث : ١٥٢٢). وأخرجه الترمذي في كتاب : البيوع ، باب : ما جاء لا يبيع حاضر لباد (الحديث : ١٢٢٣). وأخرجه أبو داود في كتاب : الإجارة ، باب : في النهي أن يبيع حاضر لباد (الحديث : ٣٤٤٢). وأخرجه النسائي في كتاب : البيوع ، باب : بيع الحاضر للبادي (الحديث : ٢٥٦٧). وأخرجه ابن ماجه في كتاب : التجارات ، باب : النهي أن يبيع حاضر لباد (الحديث : ٢١٧٦).
(٣) أخرجه البخاري في كتاب : الإجارة ، باب : أجر السمسرة (الحديث : ٤ / ٣١١) ، وأخرجه في كتاب : البيوع ، باب : هل يبيع حاضر لباد بغير أجر. وأخرجه مسلم في كتاب : البيوع ، باب : تحريم بيع الحاضر للبادي (الحديث : ١٥٢١). وأخرجه أبو داود في كتاب : البيوع ، باب : التلقي (الحديث : ٧ / ٢٥٧). وأخرجه ابن ماجه في كتاب : التجارات ، باب : النهي أن يبيع حاضر لباد (الحديث : ٢١٧٧).