والثالث من أسباب الخلاف التصميم على اتباع العوائد وإن فسدت أو كانت مخالفة للحق :
وهو اتباع ما كان عليه الآباء والأشياخ ، وأشباه ذلك ، وهو التقليد المذموم ، فإن الله ذم بذلك في كتابه بقوله : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) (١) الآية ، ثم قال : (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) (٢) وقوله : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ* أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) (٣) فنبههم على وجه الدليل الواضح فاستمسكوا بمجرد تقليد الآباء ، فقالوا : (بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) (٤) وهو مقتضى الحديث المتقدم أيضا في قوله : «اتخذ الناس رؤساء جهالا» (٥) إلى آخره ، فإنه يشير إلى الاستنان بالرجال كيف كان.
وفيما يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إياكم والاستنان بالرجال ، فإن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة ثم ينقلب لعلم الله فيه فيعمل بعمل أهل النار فيموت وهو من أهل النار ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار ، فينقلب لعلم الله فيه فيعمل بعمل أهل الجنة فيموت وهو من أهل الجنة ، فإن كنتم لا بدّ فاعلين ، فبالأموات لا بالأحياء. فهو إشارة إلى الأخذ بالاحتياط في الدين ، وأن الإنسان لا ينبغي له أن يعتمد على عمل أحد البتة ، حتى يتثبت فيه ويسأل عن حكمه ، إذ لعل المعتمد على عمله يعمل على خلاف السنّة ، ولذلك قيل : لا تنظر إلى عمل العالم ، ولكن سله يصدقك. وقالوا : ضعف الروية أن يكون رأى فلانا يعمل فيعمل مثله ، ولعله فعله ساهيا ، وليس من هذا القبيل عمل أهل المدينة ، وما أشبه ذلك ، لأنه دليل ثابت عند جماعة من العلماء على وجه ليس مما نحن فيه.
وقول عليّ رضي الله عنه : فإن كنتم لا بدّ فاعلين فبالأموات ، نكتة في الموضع ، يعني :
__________________
(١) سورة : الزخرف ، الآية : ٢٢.
(٢) سورة : الزخرف ، الآية : ٢٤.
(٣) سورة : الشعراء ، الآيتان : ٧٢ ـ ٧٣.
(٤) سورة : الشعراء ، الآية : ٧٤.
(٥) تقدم تخريجه ص : ٣٧٠ ، الحاشية : ١.