أبي روح حيث أمرت بالارتداد ، وذلك في أيام أبي غشان : فذكر شيئا ، ثم قال ابن المبارك وهو مغضب : أحدثوا في الإسلام ، ومن كان أمر بهذا فهو كافر ، ومن كان هذا الكتاب عنده أو في بيته ليأمر به أو صوبه ولم يأمر به فهو كافر ، ثم قال ابن مبارك : ما أرى الشيطان يحسن مثل هذا ، حتى جاء هؤلاء فأفادها منهم فأشاعها حينئذ ، ولو كان يحسنها لم يجد من يمضيها فيهم ، حتى هؤلاء.
وإنما وضع هذا الكتاب وأمثاله ليكون حجة على زعمهم في أن يحتالوا للحرام حتى يصير حلالا ، وللواجب حتى يكون غير واجب ، وما أشبه ذلك من الأمور الخارجة عن نظام الدين ، كما أجازوا نكاح المحلل ، وهو احتيال على رد المطلقة ثلاثا لمن طلقها ، وأجازوا إسقاط فرض الزكاة بالهبة المستعارة ، وأشباه ذلك فقد ظهر وجه الإشارة في الأحاديث المتقدمة المذكورة فيها الشح ، وأنها تتضمن ابتداعا كما تتضمن معاصي جمة.
وأما قبض الأمانة فعبارة عن شياع الخيانة ، وهي من سماة أهل النفاق ، ولكن يوجد في الناس بعض أنواعها تشريعا ، وحكيت عن قوم ممن ينتمي إلى العلم كما حكيت عن كثير من الأمراء ، فإن أهل الحيل المشار إليهم إنما بنوا في بيع العينة على إخفاء ما لو أظهروه لكان البيع فاسدا ، فأخفوه لتظهر صحته ، فإن بيعه الثوب بمائة وخمسين إلى أجل ، لكنهما أظهرا وساطة الثوب ، وأنه هو المبيع والمشتري ، وليس كذلك ، بدليل الواقع.
وكذلك يهب ماله عند رأس الحول قائلا بلسان حاله ومقاله : أنا غير محتاج إلى هذا المال وأنت أحوج إليه مني ، ثم يهبه ، فإذا جاء الحول الآخر قال الموهوب له للواهب مثل المقالة الأولى ، والجميع في الحالين ، بل في الحولين في تصريف المال سواء ، أليس هذا خلاف الأمانة؟ والتكليف من أصله أمانه فيما بين العبد وربه ، فالعمل بخلاف خيانة.
ومن ذلك أن بعض الناس كان يحفر الزينة ويرد من الكذب ، ومعنى الزينة التدليس بالعيوب ، وهذا خلاف الأمانة والنصح لكل مسلم. وأيضا فإن كثيرا من الأمراء يحتاجون أموال الناس اعتقادا منهم أنها لهم دون المسلمين ، ومنهم من يعتقد نوعا من ذلك في الغنائم المأخوذة عنوة من الكفار ، فيجعلونها في بيت المال ، ويجرمون الغانمين من حظوظهم منها تأويلا على الشريعة بالعقول ، فوجه البدعة هاهنا ظاهر.