بالأموال ، وهو معقول في نفسه ، فإن الرجل لا يتبايع أبدا هذا التبايع وهو يجد من يسلفه أو من يعينه في حاجته ، إلا أن يكون سفيها لا عقل له.
ويشهد لهذا المعنى ما خرجه أبو داود أيضا عن عليّ رضي الله عنه قال : سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه ، ولم يؤمر بذلك ، قال الله تعالى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (١) ، وينشد شرار خلق الله يبايعون كل مضطر ، ألا إن بيع المضطر حرام ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخونه ، إن كان عندك خير فعدّ به على أخيك ولا تزده هلاكا إلى هلاكه (٢).
وهذه الأحاديث الثلاثة ـ وإن كانت أسانيدها ليست هناك ـ مما يعضد بعضه بعضا ، وهو خبر حق في نفسه يشهد له الواقع. قال بعضهم : عامة العينة إنما تقع من رجل يضطر إلى نفقة يضن عليه الموسر بالقرض إلا أن يربحه في المائة ما أحب ، فيبيعها ثمن المائة بضعفها أو نحو ذلك ، ففسر بيع المضطر بيع العينة ، وبيع العينة إنما هو العين بأكثر منها إلى أجل ـ حسبما هو مبسوط في الفقهيات ـ فقد صار الشح إذا سببا في دخول هذه المفاسد في البيوع.
فإن قيل : كلامنا في البدعة في فساد المعصية ، لأن هذه الأشياء بيوع فاسدة فصارت من باب آخر لا كلام لنا فيه.
فالجواب : أن مدخل البدعة هاهنا من باب الاحتيال الذي أجازه بعض الناس ، فقد عده العلماء من البدع المحدثات ، حتى قال ابن المبارك في كتاب وضع في الحيل : من وضع هذه فهو كافر ، ومن سمع به فرضي به فهو كافر ، ومن حمله من كورة فهو كافر ، ومن كان عنده فرضي به فهو كافر ، وذلك أنه وقع فيه الاحتيالات بأشياء منكرة ، حتى احتال على فراق الزوجة زوجها بأن ترتد.
وقال إسحاق بن راهويه ، عن سفيان بن عبد الملك : أن ابن المبارك قال في قصة بنت
__________________
(١) سورة : سبأ ، الآية : ٣٩.
(٢) أخرجه أبو داود في كتاب : البيوع ، باب : بيع المضطر (الحديث : ٣٣٨٢).