واختلفوا في عيسى عليهالسلام فكفرت به اليهود وقالوا لأمه بهتانا عظيما وجعلته النصارى إلها وولدا ، وجعله الله روحه وكلمته ، فهدى الله أمة محمد صلىاللهعليهوسلم للحق من ذلك.
ثم إن هؤلاء المتفقين قد يعرض لهم الاختلاف بحسب القصد الثاني لا القصد الأول ، فإن الله تعالى حكم بحكمته أن تكون فروع هذه الملة قابلة للأنظار ومجالا للظنون ، وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتفاق فيها عادة ، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف ، لكن في الفروع دون الأصول وفي الجزئيات دون الكليات ، فلذلك لا يضر هذا الاختلاف.
وقد نقل المفسرون عن الحسن في هذه الآية أنه قال : أما أهل رحمة الله فإنهم لا يختلفون اختلافا يضرهم ، يعني : لأنه في مسائل الاجتهاد التي لا نصّ فيها بقطع العذر ، بل لهم فيه أعظم العذر ، ومع أن الشارع لما علم أن هذا النوع من الاختلاف واقع ، أتى فيه بأصل يرجع إليه ، وهو قول الله تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (١) الآية ، فكل اختلاف من هذا القبيل حكم الله فيه أن يرد إلى الله ، وذلك رده إلى كتابه ، وإلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذلك رده إليه إذا كان حيّا وإلى سنته بعد موته ، وكذلك فعل العلماء رضي الله عنهم.
إلا أن لقائل أن يقول : هل هم داخلون تحت قوله تعالى : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (٢) أم لا؟
والجواب : أنه لا يصح أن يدخل تحت مقتضاها أهل هذا الاختلاف من أوجه :
أحدها : أن الآية اقتضت أن أهل الاختلاف المذكورين مباينون لأهل الرحمة لقوله : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) (٣) فإنها اقتضت قسمين : أهل الاختلاف ، والمرحومين ، فظاهر التقسيم أن أهل الرحمة ليسوا من أهل الاختلاف وإلّا كان قسم الشيء قسيما له ، ولم يستقم معنى الاستثناء.
__________________
(١) سورة : النساء ، الآية : ٥٩.
(٢) سورة : هود ، الآية : ١١٨.
(٣) سورة : هود ، الآيتان : ١١٨ ـ ١١٩.