وروى إسماعيل القاضي عن زيد بن أسلم ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إني لأعرف أول من سيب السوائب ، وأول من غير عهد إبراهيم عليهالسلام قال قالوا : من هو يا رسول الله؟ قال : عمرو بن لحيّ أبو بني كعب ، لقد رأيته يجر قصبه في النار ، يؤذي ريحه أهل النار ، وإني لأعرف أول من بحر البحائر ، قالوا : من هو يا رسول الله؟ قال : رجل من بني مدلج ، وكانت له ناقتان فجدع أذنيهما وحرم ألبانهما ، ثم شرب ألبانهما بعد ذلك ، فلقد رأيته في النار هو وهما يعضانه بأفواههما ويخبطانه بأخفافهما» (١).
وحاصل ما في هذه الآية تحريم ما أحل الله على نية التقرب به إليه ، مع كونه حلالا بحكم الشريعة المتقدمة. ولقد همّ بعض أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يحرموا على أنفسهم ما أحل الله ، وإنما كان قصدهم بذلك الانقطاع إلى الله عن الدنيا وأسبابها وشواغلها ، فرد ذلك عليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (٢).
وسيأتي شرح هذه الآية في الباب السابع إن شاء الله تعالى ، وهو دليل على أن تحريم ما أحل الله ـ وإن كان بقصد سلوك طريق الآخرة ـ منهيّ عنه ، وليس فيه اعتراض على الشرع ولا تغيير له ، ولا قصد فيه الابتداع ، فما ظنك به إذا قصد به التغيير والتبديل كما فعل الكفار ؛ أو قصد به الابتداع في الشريعة وتمهيد سبيل الضلالة؟
فصل
ومثال ما يقع في النفس ما ذكر من نحل الهند في تعذيبها أنفسها بأنواع العذاب الشنيع ، والتمثيل الفظيع ، والقتل بالأصناف التي تفزع منها القلوب وتقشعر منها الجلود ، كل ذلك على جهة استعجال الموت لنيل الدرجات العلى ـ في زعمهم ـ والفوز بالنعيم الأكمل ، بعد الخروج عن هذه الدار العاجلة ، ومبني على أصول لهم فاسدة اعتقدوها وبنوا عليها أعمالهم.
__________________
(١) أخرج نحوه أحمد في المسند (١ / ٤٤٦).
(٢) سورة : المائدة ، الآية : ٨٧.