ولا يقال : إنهم يريدون أحكام الوجوب والتحريم فقط ، لأنا نقول : هذا تحكم من غير دليل ، بل الأحكام خمسة ، فكما لا يثبت الوجوب إلا بالصحيح فإذا ثبت الحكم فاستسهل أن يثبت في أحاديث الترغيب والترهيب ، ولا عليك ، فعلى كل تقدير : كل ما رغب فيه إن ثبت حكمه ومرتبته في المشروعات من طريق صحيح فالترغيب فيه بغير الصحيح مغتفر ، وإن لم يثبت إلا من حديث الترغيب ، فاشترط الصحة أبدا ، وإلّا خرجت عن طريق القوم المعدودين في أهل الرسوخ ، فلقد غلط في هذا المكان جماعة ممن ينسب إلى الفقه ، ويتخصص عن العوام بدعوى رتبة الخواص ، وأصل هذا الغلط عدم فهو كلام المحدثين في الموضعين ، وبالله التوفيق.
فصل
ومنها ضد هذا ، وهو ردهم للأحاديث التي جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم ، ويدعون أنها مخالفة للمعقول ، وغير جارية على مقتضى الدليل ، فيجب ردّها ، كالمنكرين لعذاب القبر ، والصراط ، والميزان ، ورؤية الله عزوجل في الآخرة ، وكذلك حديث الذباب وقتله ، وأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء ، وأنه يقدم الذي فيه الداء ، وحديث الذي أخذ أخاه بطنه فأمره النبي صلىاللهعليهوسلم بسقيه العسل ، وما أشبه ذلك من الأحاديث الصحيحة المنقولة نقل العدول.
ربما قدحوا في الرواة من الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم ـ وحاشاهم ـ وفيمن اتفق الأئمة من المحدثين على عدالتهم وإمامتهم ، كل ذلك ليردوا به على من خالفهم في المذهب ، وربما ردوا فتاويهم وقبحوها في أسماع العامة ، لينفروا الأمة عن اتباع السنّة وأهلها. كما روي عن أبي بكر بن محمد أنه قال : قال عمرو بن عبيد : لا يعفى عن اللص دون السلطان ، قال فحدثته بحديث صفوان بن أمية عن النبي صلىاللهعليهوسلم حيث قال : «فهلا قبل أن تأتيني به» (١) قال : أتحلف بالله أن النبي صلىاللهعليهوسلم قاله؟ قلت : أفتحلف أنت بالله أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يقله؟ فحدثت به ابن عون ـ قال ـ فلما عظمت الحلقة قال : يا أبا بكر حدث.
__________________
(١) أخرجه مالك في الموطأ في كتاب : الحدود ، باب : ترك الشفاعة للسارق إذا بلغ السلطان (الأحاديث : ٢ / ٨٣٤ ، ٨٣٥).