وقد جعلوا القول بإثبات الصراط والميزان والحوض قولا بما لا يعقل ، وقد سئل بعضهم : هل يكفر من قاله برؤية الباري في الآخرة؟ فقال : لا يكفر لأنه قال ما لا يعقل ، ومن قال ما لا يعقل فليس بكافر.
وذهبت طائفة إلى نفي أخبار الآحاد جملة ، والاقتصار على ما استحسنته عقولهم في فهم القرآن ، حتى أباحوا الخمر بقوله : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) (١) الآية ، ففي هؤلاء وأمثالهم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه ، فيقول : لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه» (٢) وهذا وعيد شديد تضمنه النهي ، لاحق بمن ارتكب رد السنة.
ولما ردوها بتحكم العقول كان الكلام معهم راجعا إلى أصل التحسين والتقبيح وهو مذكور في الأصول ، وسيأتي له بيان إن شاء الله.
وقال عمر بن النضر : سئل عمرو بن عبيد يوما عن شيء ـ وأنا عنده ـ فأجاب فيه ، فقلت له : ليس هكذا يقول أصحابنا ، قال : ومن أصحابك لا أبا لك؟ قلت : أيوب ، ويونس ، وابن عون ، والتيمي ، قال : أولئك أنجاس أرجال أموات غير أحياء.
وقال ابن علية : حدثني اليسع ، قال : تكلم واصل ـ يعني : ابن عطاء ـ يوما ـ قال ـ فقال عمرو بن عبيد : ألا تسمعون؟ ما كلام الحسن وابن سيرين عند ما تسمعون إلا خرقة حيضة ملقاة. كان واصل بن عطاء أول من تكلم في الاعتزال فدخل معه في ذلك عمرو بن عبيد فأعجب به ، فزوجه أخته ، وقال لها : زوجتك برجل ما يصلح إلا أن يكون خليفة ، ثم تجاوزوا الحد حتى ردوا القرآن بالتلويح والتصريح لرأيهم السوء ، فحكى عمرو بن علي أنه سمع ممن يثق به أنه قال : كنت عند عمرو بن عبيد ـ وهو جالس على دكان عثمان الطويل ـ فأتاه رجل فقال : يا أبا عثمان! ما سمعت من الحسن يقول في قول الله عزوجل : (قُلْ لَوْ
__________________
(١) سورة : المائدة ، الآية : ٩٣.
(٢) تقدم تخريجه ص : ٨٦ ، الحاشية : ٢.