معناه على التفصيل من المأمور به أو المنهي عنه فهو المراد بالتعبدي ، وما عقل معناه وعرفت مصلحته أو مفسدته فهو المراد بالعادي ، فالطهارات والصلوات والصيام والحج كلها تعبدي ، والبيع والنكاح والشراء والطلاق والإجارات والجنايات كلها عادي ، لأنه أحكامها معقولة المعنى ، ولا بد فيها من التعبد ، إذ هي مقيدة بأمور شرعية لا خيرة للمكلف فيها ، كانت اقتضاء أو تخييرا فإن التخيير في التعبدات إلزام ، كما أن الاقتضاء إلزام ـ حسبما تقرر برهانة في كتاب (الموافقات) ـ وإذا كان كذلك فقد ظهر اشتراك القسمين في معنى التعبد ، فإن جاء الابتداع في الأمور العادية من ذلك الوجه ، صح دخوله في العاديات كالعباديات ، وإلّا فلا.
وهذه هي النكتة التي يدور عليها حكم الباب ، ويتبين ذلك بالأمثلة فمما أتى به القرافي من جواز وضع المكوس في معاملات الناس ، فلا يخلو هذا الوضع المحرم أن يكون على قصد حجر التصرفات وقتا ما ، أو في حالة ما ، لنيل حطام الدنيا ، على هيئة غصب الغاصب ، وسرقة السارق ، وقطع القاطع للطريق ، وأما أشبه ذلك ، أو يكون على قصد وضعه على الناس كالدين الموضوع والأمر المحتوم عليهم دائما ، أو في أوقات محدودة ، على كيفيات مضروبة ، بحيث تضاهي المشروع الدائم الذي يحمل عليه العامة ، ويؤخذون به وتوجه على الممتنع منه العقوبة ، كما في أخذ زكاة المواشي والحرث وما أشبه ذلك.
فأما الثاني : فظاهر أنه بدعة ، إذ هو تشريع زائد ، وإلزام للمكلفين يضاهي إلزامهم الزكاة المفروضة ، والديات المضروبة ، والغرامات المحكوم بها في أموال الغصاب والمتعبدين ، بل صار في حقهم كالعبادات المفروضة ، واللوازم المحتومة أو ما أشبه ذلك ، فمن هذه الجهة يصير بدعة بلا شك ، لأنه شرع مستدرك ، وسنّ في التكليف مهيع ، فتصير المكوس على هذا الفرض لها ، نظران : نظر من جهة كونها محرمة على الفاعل أن يفعلها كسائر أنواع الظلم ، ونظر من جهة كونها اختراعا لتشريع يؤخذ به الناس إلى الموت كما يؤخذون بسائر التكاليف ، فاجتمع فيها نهيان : نهي عن المعصية ، ونهي عن البدعة ، وليس ذلك موجودا في البدع في القسم الأول ، وإنما يوجد به النهي من جهة كونها تشريعا موضوعا على الناس أمر وجوب أو ندب ، إذ ليس فيه جهة أخرى يكون بها معصية ، بل نفس التشريع هو نفس الممنوع.
وكذلك تقديم الجهال على العلماء ، وتولية المناصب الشريفة من لا يصلح بطريق