وقسم لا يعلمه البتة : إلا أن يعلم به أو يجعل له طريق إلى العلم به ، وذلك كعلم المغيبات عنه ، كانت من قبيل ما يعتاد علم العبد به أو لا ، كعلمه بما تحت رجليه ، إلا أن مغيبه عنه تحت الأرض بمقدار شبر ، وعلمه بالبلد القاضي عنه الذي لم يتقدم له به عهد ، فضلا عن علمه بما في السموات وما في البحار وما في الجنة أو النار على التفصيل ، فعلمه بما لم يجعل له عليه دليل غير ممكن.
وقسم نظري : يمكن العلم به ويمكن أن لا يعلم به ـ وهي النظريات ـ وذلك القسم النظري هو الممكنات التي تعلم بواسطة لا بأنفسها ، إلا أن يعلم بها إخبارا.
وقد زعم أهل العقول أن النظريات لا يمكن الاتفاق فيها عادة لاختلاف القرائح والأنظار ، فإذا وقع الاختلاف فيها لم يكن بد من مخبر بحقيقتها في أنفسها إن احتيج إليها ، لأنه لو لم تفتقر إلى الإخبار لم يصح العلم بها لأن المعلومات لا تختلف باختلاف الأنظار لأنها حقائق في أنفسها. فلا يمكن أن يكون كل مجتهد فيها مصيبا ـ كما هو معلوم في الأصول ـ وإنما المصيب فيها واحد. وهو لا يتعين إلا بالدليل.
وقد تعارضت الأدلة في نظر الناظر. فنحن نقطع بأن أحد الدليلين دليل حقيقة. والآخر شبهة ولا يعين. فلا بدّ من إخبار بالتعيين.
ولا يقال : إن هذا قول الإمامية ، لأن نقول : بل هو يلزم الجميع ، فإن القول بالمعصوم غير النبي صلىاللهعليهوسلم يفتقر إلى دليل ، لأنه لم ينص عليه الشارع نصّا يقطع العذر ، فالقول بإثباته نظري ، فهو مما وقع الخلاف فيه ، فكيف يخرج عن الخلاف بأمر فيه خلاف؟ هذا لا يمكن.
فإذا ثبت هذا رجعنا إلى مسألتنا فنقول : الأحكام الشرعية من حيث تقع على أفعال المكلفين من قبيل الضروريات في الجملة ، وإن اختلفوا في بعض التفاصيل فلتماسها (؟).
ونرجع إلى ما بقي من الأقسام فإنهم قد أقروا في الجملة ـ أعني : القائلين بالتشريع العقلي ـ أن منه نظريا ، ومنه ما لا يعلم بضرورة ولا نظر ، وهما القسمان الباقيان مما لا يعلم له أصل إلا من جهة الإخبار ، فلا بدّ فيه من الإخبار لأن العقل غير مستقل فيه ، وهذا إذا راعينا قولهم وساعدناهم عليه ، فإنا إن لم نلتزم ذلك على مذاهب أهل السنة فعندنا أن لا نحكّم العقل أصلا ، فضلا عن أن يكون له قسم لا حكم له ، وعندهم أنه لا بدّ من حكم ، فلأجل ذلك نقول : لا بدّ من الافتقار إلى الخبر ، وحينئذ يكون العقل غير مستقل بالتفريع ،