الحاكمة ، وهو أمر متفق عليه بين العلماء ، ولذلك إذا وقع النزاع في مسألة شرعية وجب ردها إلى الشريعة حيث يثبت الحق فيها لقوله تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (١) الآية.
فإذا المكلف بأحكامها لا يخلو من أحد أمور ثلاثة :
أحدها : أن يكون مجتهدا فيها ، فحكمه ما أداه إليه اجتهاده فيها ، لأنه اجتهاده في الأمور التي ليست دلالتها واضحة إنما يقع موقعه على فرض أن يكون ما ظهر له هو الأقرب إلى قصد الشارع والأولى بأدلة الشريعة ، دون ما ظهر لغيره من المجتهدين ، فيجب عليه اتباع ما هو الأقرب ، بدليل أنه لا يسعه فيما اتضح فيه الدليل إلا اتباع الدليل ، دون ما أداه إليه اجتهاده ، ويعد ما ظهر له لغوا كالعدم ، لأنه على غير صوب الشريعة الحاكمة ، فإذا ليس قوله بشيء يعتد به الحكم.
والثاني : أن يكون مقلدا صرفا ، خليّا من العلم الحاكم جملة ، فلا بد له من قائد يقوده وحاكم يحكم عليه ، وعالم يقتدي به ، ومعلوم أنه لا يقتدى به إلا من حيث هو عالم بالعلم الحاكم ، والدليل على ذلك أنه لو علم أو غلب على ظنه أنه ليس من أهل ذلك العلم لم يحل له اتباعه ولا الانقياد لحكمه ، بل لا يصح أن يخطر بخاطر العامي ولا غيره تقليد الغير في أمر مع علمه بأنه ليس من أهل ذلك الأمر ، كما أنه لا يمكن أن يسلم المريض نفسه إلى أحد يعلم أنه ليس بطبيب إلا أن يكون فاقد العقل ، وإذا كان كذلك فإنما ينقاد إلى المفتي من جهة ما هو عالم بالعلم الذي يجب الانقياد إليه ، لا من جهة كونه فلانا أيضا ، وهذه الجملة أيضا لا يسع الخلاف فيها عقلا ولا شرعا.
والثالث : أن يكون غير بالغ مبلغ المجتهدين ، لكنه يفهم الدليل وموقعه ويصلح فهمه للترجيح بالمرجحات المعتبرة فيه تحقيق المناط ونحوه ، فلا يخلو إما أن يعتبر ترجيحه أو نظره ، أو لا فإن اعتبرناه صار مثل المجتهد في ذلك الوجه ، والمجتهد إنما هو تابع للعلم الحاكم ، ناظر نحوه ، متوجه شطره ، فالذي يشبه كذلك وإن لم نعتبره فلا بد من رجوعه إلى
__________________
(١) سورة : النساء ، الآية : ٥٩.